Main topics

مارس 13، 2012

الحرف الفلسطينية تقف أمام مستقبل مجهول !


فخار مُصنع بأيدٍ فلسطينية في الخليل/ أمون الشيخ
تنبع أهمية الحرف التراثية في فلسطين من كونها لها خصوصية معينة، حيث أنها تعتبر إثباتاً لهوية فلسطين التراثية المهددة بالإنقراض بسبب محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لسرقتها، وذلك من خلال نزع الهوية الفلسطينية عنها؛ فقد سبق وقامت جهات إسرائيلية بتغيير لون الكوفية الفلسطينية للون الأزرق وتطريز نجمة داوود عليها، وكأنها جزء من موروث الشعب الإسرائيلي، وبما أن حضارتنا تواجه هجمة كبيرة من قبل المحتل الإسرائيلي كان لزاماً على الشعب الفلسطيني الحفاظ على مكنوناته التراثية وحفظها من عبث الآخرين، من خلال إنشاء المتاحف والتوثيق، المبني على أسس سليمة، لتاريخ الكنعانيين على هذه الأرض.


صناعة الصابون في نابلس/ نائل بويطل
تشتهر كل منطقة من مناطق فلسطين بحرفة معينة، وتتوزع الحرف الفلسطينية القديمة ما بين صناعة الصابون والفخار والزجاج، وكذلك التطريز والنحت على الخشب، وغيرها من الحرف التي زينت تاريخ الشعب الفلسطيني على مدار العصور الماضية، لكن الناظر في الصناعات الفلسطينية هذه الأيام يجد أن الاهتمام بالحرف اليدوية بات قليلاً جداً بالمقارنة مع السنوات السابقة التي كانت تزدهر فيها هذه الحرف، وفي بعض الأحيان كان الفلسطيني يصدر جزءاً من منتوجاته اليدوية إلى خارج فلسطين، ففي نابلس مثلاً إنخفض عدد الصبانات فيها من 36 صبانة سابقاً إلى صبانتين في هذه الأيام، وهذا ما أدى بالتأكيد إلى انخفاض منتوج المدينة من الصابون، وبالتالي توقفت عن تصدير منتجها من الصابون إلى بلدان أخرى.

حال الحرف التقليدية في نابلس لا يختلف عن حالها في بقية المدن الفلسطينية، فمن خلال المعلومات السابقة يتبين لنا أن الاهتمام بالصناعات اليدوية التقليدية في فلسطين ينخفض سنة بعد أخرى، ففي كل مدينة لا تكاد تجد مكان أو مكانيين بالأكثر لتصنيع المنتوجات اليدوية التقليدية وبيعها في الأسواق.

صناعة الزجاج في الخليل
Chasing Dunguri\Flickr
لا شك أن الحرف الفلسطينيىة الآن تقف أمام مستقبل مجهول، وأنها باتت مهددة بالانقراض ففي ظل المحاولات المستمرة من قبل الإسرائليين لنسبة هذه الحرف لهم، نجد في الجانب الفلسطيني إهمالاً واستهتاراً في التعامل مع هذه القضية، وينقسم هذا الإهمال إلى شقين فهو يتوزع ما بين المواطن الفلسطيني، الذي بات يجهل أهمية هذه الحرف، وكذلك فإن الجهات المسؤولة لا تلقي بالاً إلى هذه القضية. يظهر ذلك جلياً في قلة نشاطات وزارة السياحة والآثار المنصبة في خندق دعم هذه الحرف، وتثقيف المواطن الفلسطيني حولها وتشجيعه لمزاولتها، وإن كان هناك بعض الأنشطة للجهات الرسمية، والتي تهتم في دعم  الحرف الفلسطينية، فإن ذلك ليس كافياً، لأننا لا نلمس أثره على أرض الواقع، فببساطة إذا كانت هذه النشاطات كافية، لماذا نلمس تراجعاً مستمراً للحرف اليدوية؟ ولماذا لا يوجد في كل مدينة أسواقاً مخصصة لمزاولة مثل هذه الحرف؟

هناك العديد من النشاطات الممكن تنفيذها للمحافظة على الحرف التي ورثناها منذ آلاف السنين عن أجدادنا، فبالإضافة إلى تخصيص أماكن لهذه الحرف، نستطيع أيضاً أن ننظم معارض بشكل دوري يتم من خلالها عرض الإنتاج الفلسطيني الذي نحصل عليه من مزاولة الحرف التقليدية ولفت نظر المواطن الفلسطيني لأهميتها لأن غالبية من يحضرون لمثل هذه المعارض، إن وجدت، هم من السياح الأجانب. كما ويمكن إدارج شيء عن أهمية الحرف اليدوية في بلورة الهوية الفلسطينية في المناهج المدرسية ليتسنى للطلبة معرفة القيمة الفعلية لحرفنا التقليدية، ومن الممكن أيضا تنظيم ندوات وورشات عمل وكذلك إعلانات عبر وسائل الإعلام المختلفة لتوعية المواطن الفلسطيني بأهمية المحافظة على موروثه من الحرف، وشرح أهمية وخطورة هذا الموضوع بشكل مبسط حتى تصل الفكرة لمختلف شرائح الشعب الفلسطيني؛ لكي يستطيع التعاون مع الجهات الرسمية للمحافظة على استمرارية الحرف التقليدية، وبالتالي يبقى هذا الموروث حاضرًا كداعم لتواجد الفلسطيني على أرضه، كما أنه يقف حائط صد أمام المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى سلبنا حضارة أجدادنا الكنعانيين، وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية التعاون بين مختلف المؤسسات الفلسطينية للوقوف على هذا الموضوع.

إن الحرب الإسرائيلية التي يخضع لها الشعب الفلسطيني بأسره ليست حرب سلاح وسيطرة على جزء من أراضي الوطن فقط، وإنما هي حرب على التراث الفلسطيني تستهدف تجريدنا من هويتنا التاريخية، ومن حضارتنا التي بناها أجدادنا بكد سواعدهم عبر القرون الماضية، لذلك أصبح لزاماً علينا أن نتمسك بكل خيط من شأنه أن يربطنا بهذا الكنز التراثي العريق. وبما أن الحرف التراثية واحدة من أهم مكونات التراث الفلسطيني، فإن الاستهانة بها يعني أننا خسرنا الحرب الفعلية أمام العدو الإسرائيلي، وإذا بقي حال الحرف الفلسطينية على ما هو عليه فإننا تدريجياً سنخسر واحدة من أهم ملامح تاريخنا على هذه الأرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق