Main topics

ديسمبر 28، 2009

في حضرة الحاضر ومستقبل المستقبل

 محمود درويش

زهرة اللوز الأخيرة رحلت مبكرا، دون سابق إنذار! إلى أين تركتنا ورحلت؟ إلى أين ذهبت؟ أين أنت الآن؟ أنا الآن وحدي، لا أحد هنا حولي فلماذا رحلت الآن، ألا تعتقد أن هذا وقت غير مناسب .

أتعلم في كل زيارة الى رام الله كنت أسير بقدمين مرتجفتين مترددتين، لا أعلم هل هما خائفتان من لقاء حبيبٍ! تضيع الكلمات وكل الحروف وتمحى الذاكرة بلقائه، بهذه الطريقة كنت أسير إلى" مقهى الديوان" لألتقيك وأجلس إليك، دائما كنت أضع خطة لهذا اللقاء كيف سألتقيك وأجلس إليك وبأي طريقة سأرمقك بعيني، وبروح من سأتامل عينيك الخضراوتين ووجنتك الجميلة وثغرك الصغير وهو يشديني بما هو لديه من عبق الكلمات واللغة، لكنني كنت أعود في كل مرة بخيبة ثقيلة كما يقولون، لأن خطتي لم يكتب لها الترجمة .

وأنا الآن فقدت ذلك الأمل بلقائك، ألم يكن بوسعك أن تجعل الموت ينتظر قليلا؟!!! ألا يمكنك العودة. أيها الموت لما أنت عجول، فذلك ليس الوقت المناسب لمجيئك.

وأنت يا زهرة اللوز تركتني الان في منتصف الطريق دون ان نشرب قهوة الصباح بعيدا عن مدافع بيروت، رحلت قبل أن نكمل القصيدة ، رحلت قبل أن تصف المشهد الاخير

محمود درويش في امسية شعرية في جامعة بيرزيت


" نم يا حبيبي عليك ظفائر شعري عليك السلام "
 لطالما حننت لقهوة الأم وخبزها، وها قد عدت اليوم لتخلد بين ذراعيها وبين ذرات ترابها لتغطيك بعشب تعمد بدماء أبنائها، عدت الآن محلقاً على جناح قصائدك لتحلق وتعلو في سماء عكا ويافا، عدت لنا الآن لغة ونهجاً لتقف محلقاً الى شجرة الخروب لتكتمل الرحلة.

يقولون أنك في غياب الغياب !!!!!!! ....أنت الآن حولي أنت معي وواثقة بأنك لن تفارقني، فقصائدك تحمل لي موج بحرنا الأزرق
 

ياسيد الحاضر ومستقبل المستقبل من سيأخذني إلى عكا ويافا وحيفا ؟ من سيتسلق قمة الكرمل ليلامس الغيمة البيضاء ويخطها بأسمائنا وتواريخ ميلادنا. 


أعشقك وأعشق عمري لأجلك ولأجل أمي، ولهذا لا اودعك فأنت باقٍ ومسكون في أجراس الكنائس وأصوات الآذان، لكنني سأفتقدك كلما ازدادت الظلمة حولي وكلما اقتربت من هدفي، وأنا الآن سأصبـّك بحرف النون، حيث تعب روحك سورة الرحمن، وأسير صامتة على خطوات أجدادنا ووقع الناي الأزلي حولنا، ولن أضع على التابوت البنفسج فهو زهر المحبطين، سأضع على التابوت سبع سنابل خضراء إن وجدت، وبعض من شقائق النعمان وسأترك زهر الكنائس للكنائس والعرائس. 


وفي يوم ما سأمر الى شجرة الخروب بين عكا والبروة لأتيك بقليل من ترابها، لتترك بلاد الموت وحدها وتعود الي مرة اخرى لننهي معا تدابير الجنازة في الربيع الهش حيث ولدت.
واعلم أن من لايحبون الحياة، هم عابرون في كلام عابر لن يبقو إلا قليلا، فالأيام دول والدول دول فهؤلاء محطمون امام طائرك الفينيقي
وكما انا وانت دائما لن اغشى لومة لائم سأفعل ما أريد لأصير ما أريد كما علمتني يا سيد الحاضر ومستقبل المستقبل.


لك يا درويش وانت تحلق في سمائي الآن 

للمزيد من المعلومات :

. ياسيد الحاضر ومستقبل المستقبل
. زهرة اللوز الأخيرة
* الصور : (الصورة الاولى محمود درويش) ، (الصورة الثانية محمود درويش في امسية شعرية في جامعة بيرزيت) (ارشيف)

هناك تعليقان (2):

  1. فعلا انك باقي في قلوبنا انك طائر تطير وتحط متى تشاء انت
    كيف رحلت وهاهم تلاميذتك الذين حفظ شعرك غيبا وتعلمو الكلمات منك وبدؤ يبدعون يا ابن سيدة هذه الارض يامن جعلتنى نصل الى حلمنا بشعرك "يطير الحمام يحط الحمام
    فنم يا حبيبي عليك ظفائر شعر عليك السلام"
    شكرا لك يا لولو لانك اشعلت نار الاشتياق لابن سيدة هذه الارض
    ولا تحزني فما زال هنا دائما هو هنا معنا في شعره

    ردحذف
  2. وانا في مقعدي احترق
    نيراني تاكل نيراني ....(ناقوس الروح)

    شكرا يا لولو لانك جد اثرتي فضول محمود درويش في داخلنا لانه كان دائما يأبى بأن نستعيره فقط بالزكريات وانما هو من اشعل فينا استعاره الزكريات عندما رحل عن ارض الواقع ..ولن يذهب لانه رحل جسدا وبقي لنا روحا ...

    ردحذف