Main topics

مايو 18، 2010

جئتُكَ أيها البَحـر

انا فتاة عربية فلسطينية لاجئة، اقطن في احدى مخيمات الصمود، ابلغ من العمر ما يكفي لأروي قصصاً عن حياتي في المخيمات حتى مماتي. حلمي..كحلم اي فتاة تعيش في العالم ان تعيش حياة طبيعية بعيداً عن الصراعات والحروب والاحتلال دولة فيها سلام دولة مستقلة...أملي ...ان تتحرر فلسطين وتصبح دولة عربية حرة ..

كفتاة لاجئة لا استطيع ان احصل على التصريح من الاحتلال الصهيوني لكي اذهب الى فلسطين المحتلة ...كنت اريد فقط الذهاب الى البحر ..هل هذا يفوق التصورات والتخيلات؟؟؟ هل هذا شيء لا يمكن تحقيقه؟؟ لا اطلب الذهاب الى حيث لا اعلم، اود ان اذهب الى بحر دولتي. لكن ما بدا لي انه لا يحق لنا كما يحق لغيرنا ..
انا من عشاق البحر ولا يمكنني ان اقف مكتوفة اليدين. منذ حوالي السنتين وانا احاول ان ابحث عن احد يستطيع اصطحابي الى البحر بطريقة غير قانونية، لانكم تعلمون انني لا استطيع الذهاب كأي شخص غريب ليس من فلسطين. واخيرا بعد محاولات البحث وجدت من يأخذني اليه، زميلة لي من ايطاليا، عندما قلت لها انني لم اذهب يوما الى البحر، تفاجأت للوهلة الاولى ثم سألتني "عمرك ما زرتي بحر فلسطين ؟" فأجبتها " لا والله ما رحت ونفسي اروح لو بس اشم ريحة البحر" فقررت بناءً على ما سمعت مني ان تخاطر معي وتأخذني اليه . في الليلة التي تسبق الحدث الاهم في حياتي، لم تغمض عيناي ولم يتوقف قلبي عن الخفقان ولم تجف دموعي من فرحها. وكنت اردد طوال الليل "واخيرا انا جاية يا بحر".

لقد بزغت الشمس نورها وانا في مكاني لم اتحرك وانا افكر بما سيكون شعوري للوهلة الاولى التي سأصل فيها. وبعد ساعات معدودة التقيت بصديقتي التي تملك سيارة تستطيع ان تدخل فيها عن "الحاجز". لقد قمنا بشيء جنوني لا افتخر كثيرا بأنني فعلته لكنها كانت الوسيلة الوحيدة التي ستساعدنا في المرور عن الحواجز، رفعنا صوت المسجل بالاغاني العبرية ووضعنا النظارات الشمسية ولبسنا على غير عادتنا. كنت اتلو صلواتي وانا في الطريق وكلما كانت الطرق تقل كانت تزيد دقات قلبي اكثر واكثر، من خوفي ان لا يسمحو لي بأن امر، وان تذهب كل احلامي هباءاً، وعند وصولنا الى الحاجز لم نتوقف واشعرناهم بأننا من الاشخاص اللذين يسمح لهم بالمرور. وهكذا كان اجتيازنا سهل جدا. لاكون صريحة اكثر واكثر لقد بكيت عند مرورنا لشدة استغرابي وخوفي وفرحي في آن واحد، وصرخت بأعلى صوتي لكي افرغ عن المشاعر التي بداخلي، ورحت اتكلم واتكلم، لكن لا اعلم عن ماذا او الى من اوجه خطابي وكلامي.
بدأت انظر الى فلسطين الجميلة واتمعن واشتم جميع الروائح لانني اعلم ربما لن اعود مرة ثانية، ثم مسكت كامرتي وكنت انظر من خلالها على الطرقات والاشجار واوثق حتى لا انسى. وفجأة سعت صديقتي تقول: "هذا كان مسجد في بيت جبريل ". هذا كان الشعور الاكثر حزنا في العالم واعتلت على ملامحي ملامح البؤس والحزن واليأس، اي انه انا من فلسطين وصديقتي من ايطاليا وهي تقوم بتعريف الاماكن لي وتقول هذا مسجد وهذا معمدان وهذه قرية مهجرة وهذا مصنع وهنا وهناك.....، انا التي يجب ان اعرفها على أرضي وليست هي، لكنني لم استطع ان اقول اي شيء فضلت الاصغاء لها لانني لا اعرف شيء. لقد ضللنا الطريق وكان يجب علينا ان نسأل احد المارة. وبدون شك سيكون اسرائيلي، سألنا اسرائيلي عن مكان البحر ثم دلنا عليه ، ثم بدأت بالبكاء... ليس لانني اريد ذلك بل لان مشاعر الحزن اعتلتني، انا اسأل اسرائيلي عن بلادي ؟؟ بأي قانون هذا وبأي منطق يقال؟؟
وبعد معاناة طويلة بدأت اشتم رائحة البحر، وبالفعل لقد وصلنا واستطعت ان اميز تلك الرائحة التي طالما كنت احلم بأن اشمها وكنت سعيدة جدا لانها كانت تماما هي التي في مخيلتي. ذهبت راكضة على رمال الشاطئ حيث الهواء النقي ورائحة الامواج ونسيم الريح الهادئ، وعندما وصلت الماء جلست على الارض ورحتُ أبكي.

الصورة الأولى: على شاطئ البحر الأبيض في عسقلان / أُخذت بواسطة حنين عودة
الصورة الثانية: كتابة على رمل البحر / أُخذت بواسطة حنين عودة

هناك تعليق واحد:

  1. وبعد معاناة طويلة بدأت اشتم رائحة البحر، وبالفعل لقد وصلنا واستطعت ان اميز تلك الرائحة التي طالما كنت احلم بأن اشمها وكنت سعيدة جدا لانها كانت تماما هي التي في مخيلتي

    الحمدلله يا رفيقتي حنين عوده انك صلتي بحر ساحل فلسطين واستمتعتي باللقاء الذي لطالما حلمت به , اثرتيني باسلوبك لأقرأها باستماته رهيبه, ان شاء حلم العوده يتحقق كمان ونبطل نبكي على جراح الماضي

    دمتي لنا حنين

    ردحذف