Main topics

يوليو 01، 2010

لا حاجز أمام الذاكرة

 ما زال ذاك اليوم قابع في ذاكرتي، عندما وقفنا انا وامي واخوتي الأربعة على حاجز غزة "حاجز ايريز"، هذا الحاجز المليء بالجنود المسلحين.
لم يكن هناك احد غيرنا، او ربما لم اكن ألاحظ وجود احد غيرنا، كنا ننتظر بشوق إعطائنا الأذن بالعبور الى غزة لرؤية جدتي التي كانت مريضة جدا .

وقفنا ومعنا التصريح بالعبور. ذاك التصريح الذي تناقلته ايدي الجنود، لم  اعرف ما ينتظرنا، كنت فقط مشتاقة لحضن جدتي لرؤيتها وضمها واللعب مع اولاد خالي وخالتي الذين هم بعمري، عشر سنوات.

لكن عاد التصريح اللعين الى يد أمي، كان يحمله جندي ساخر يضحك مع رفاقه. يقترب من امي وبيده التصريح، " مافي اليوم حد يروح ع غزة، ممنوع العبور روح ع بيتك " هذا ما قاله لها.

لم أستوعب ما حدث حينها،فقط نظرت الى امي و أنتظرت ردة فعلها، شعرت بحزنها الداخلي الذي لم تحاول أن تظهره لكي لا تخيفنا. "أمي مريضة جدا وانا بحاجة الى زيارتها " قالت للجندي وهي منزعجة، لكنه ادار ظهره اليها وتجاهلها.

شعرت بالخوف، وفجأة أمسكت أمي بنا وحاولت أن تعبر عن الحاجز وتتجاوز الجندي الذي تجاهلها، لكنه وقف بوجهها وامسك بالبندقية ودفعها بقوة في معدتها لتقع أمامنا، وتقع مع أمي فرحتنا بالعبور الى غزة.
بكيت كثيرا عندما رأيت امي واقعة على الأرض وبدأت اصرخ واقول لها : "خلينا نروّح مشان الله خلص بدناش نروح عند ستي ".

أخي يرمي لعبته

 أخي الصغير البالغ من العمر 5 سنوات، كان على وجهه ملامح الغضب والخوف بنفس الوقت، رمى لعبته التي كانت بيده وامسك بالحجر عن الأرض، وركض باتجاه الجندي ورماه عليه ليصطدم بقدم الجندي، ثم وقف ينظر الى الجندي بدون خوف كأنه يتحداه،  ونهضت أمي مسرعة عن الأرض لتحمل أخي الصغير وتضمه خوفا عليه من ردة فعل هذا الجندي الغاضب "روح على البيت انت وابنك ولا بطخك وبطخو فش غزة روح روح" صرخ الجندي وهو يصوب البندقية بوجهنا .

عندها فقط تأكدت اننا لن نعبر الحاجز، ولن نرى جدتي .
 عدنا مع أمي والدموع تملئ عيناها رغم محاولته اخفاءها.
اربعة عشر سنة مرت حتى يومنا الحاضر، وما زالت أمي تحاول أن ترى عائلتها. أصبح عمري 23 سنة، نسيت كيف كانت جدتي واخوالي، ما عدت اذكر خالتي، لدرجة انني غير قادرة على تميزهم عند رؤيتهم، ولا استطيع سوى أن اتحدث معهم على الهاتف .

اليوم لا يزال الحاجز موجودا، لكنه اصبح اضخم وأكبر مما كان، وبات اختراقه أصعب من أي وقت مضى، و زاد شعوري بالبعد عنهم اكثر، بتُ اخاف ان افقدهم قبل رؤيتهم، لكني ما زلت انتظر  .

للمزيد من المعلومات :
صورة لحاجز ايريز/ ويكبيديا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق