Main topics

أغسطس 25، 2010

وراك وراك



في يوم من اكثر ايام الصيف حرارة  ومن اكثر أيام شهر رمضان ارهاقاً، أجلس بالتاكسي متعبة ومنهكة جداً. الى جانبي فتاتان تتحدثان عما ستعدّان من طعام  اليوم وما هي اشهى الاكلات في رمضان. وشاب آخر يتحدث مع السائق عن درجات الحرارة هذه التي لم يسبق لها ان حدثت منذ سنين. أحمل بيدي جواز سفري الذي احضرته للتو من وزارة الداخلية وأفكر في موعد سفري الى بيروت، يخطر في بالي العديد من الافكار حول كيفية تنظيم وقتي وانهاء ما عليّ من أعمال  قبل موعد السفر.
نسير بالتاكسي بإتجاه ما يسمى بقبة راحيل التي تعتبر معلماً في بيت لحم ; بسبب  وجودها عند الحاجز الاسرائيلي الذي يفصل بيت لحم عن القدس بجدار الفصل العنصري أولاً،  وثانياً لأن تلك المنطقة تشهد على الدوام مظاهرات ومناوشات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الاسرائيلي. توقف التاكسي لحظة لإنزال أحد الركاب وعندما نظرت بإتجاه الجدار الذي يحتوي على العديد من الرسومات التي تعبر عن رفض وكره لإسرائيل كتبت بسواعد فلسطينية وأجنبية من قبل نشطاء السلام، صعقت مما رأيت ونسيت في هذه اللحظة كل شئ ، لبنان والحرارة المرتفعة وكل الافكار التي  تجول في خاطري، لأركز واتأكد مما أرى. أرى شعار الـ USAID ( الوكالة الامريكية للتنمية الدولية ) مكتوبا على الجدار بخط عريض مستفز وفي مكان واضح ومرئي للجميع ، ومزينا بألوان ، كأنه يقول للجميع :  أنظروا الينا فنحن هنا!!!

 وصلت الى مكان عملي ونزلت من التاكسي وصعدت الى المكتب ، لم اكلم احد او بالاحرى لم ارَ احد لانني كنت غاضبة، إستفزني المشهد كثيرا لانني شعرت باننا بتنا شعباً محكوما ً وخاضعاً لشروط هذه المنظمة (USAID ) ولم نعد نستطيع حتى أن نستمر أو نعيش او نتطور من غيرهم لدرجة اننا أصبحنا نرى شعارهم مكتوباً في كل الاماكن، حتى على الجدار العنصري الذي أقامته اسرائيل وامريكا في محاولة لسجننا وقهرنا داخل وطننا. سياسة باتت تتدخل في كل مناحي حياتنا الفلسطينية في محاولات لتغيير صورة الشعب المناضل الجبار الرافض للذل والهوان وتحويلنا الى شعب سطحي وخاضع يرضى بشروطهم حتى يبقى هو وتبقى مؤسساته وتبقى سلطته، الا تروا أننا بتنا عبيداً لهذه السياسة ؟؟؟

يقول لي أحد زملائي أن الهدف من كتابة الشعار على الجدار هو لإيصال رسالة للجميع بان الجدار من صُنع هذه المنظمة الامريكية. ولكن أقول عذراً يا زميلي صحيح انهم من دفعوا نقود إقامة هذا الجدار، ولكني كمواطن فلسطيني لا أفهم ذلك وانا أرى هذا الشيء كأنه لوحة فنية وموضوعاً على الجدار الذي سلبنا حريتنا. 

أجلس على مكتبي اتصفح الانترنت في محاولة لنسيان الموضوع ، فتحت على احد المواقع الاخبارية التي أزورها دائما وأطالع اخبارها ، شدني احد المقالات أو بالاحرى خبر صحفي يتحدث عن استعداد محافظة بيت لحم لدخول موسوعة غنيس للأرقام القياسية بأكبر حبة قطايف! ضحكت ضحكة مليئة بالسخرية جعلت زميلتي تنظر الي باستغراب وسألتني : ليش عم تضحكي فرحيني معك؟؟
قلت لها : "تخيلي انو الصين دخلت غنيس ببناء أطول جسر في العالم وروسيا دخلتو بصناعة اكبر غواصة في العالم، ونحنا بدنا ندخلو بأكبر حبة قطايف متل ما دخلو لبنان بأكبر صحن حمص وفي السعودية بأكبر كبسة رز ولحم بالعالم .. شوفي عظمة الانجازات العربية !!!  شي بيرفع الراس والله !!! على العرب السلام".

كيف لشعب فلسطيني عاش وما زال تحت إحتلال لأكثر من ستين عاما ويعتبر قدوة في الدفاع عن وطنه وشعبه  يرضى بأن يكون سخرية للعالم بهذا الشكل؟ مرة ندخل غنيس بأكبر صدر كنافة ، ومرة بأكبر رغيف مسخن ، والآن بأكبر حبة قطايف ، هل أصبحت قضيتنا في  بطوننا؟؟ أم اننا نسينا من نكون ؟؟
بدل ان ندخل غنيس بأكبر حبة قطايف الأحرى بنا ان ندخله بعدد الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن التراب الفلسطيني، أو ان ندخله بعدد الاسرى القابعين في سجون الاحتلال الذين قدموا اغلى ما يملكون لأجل فلسطين.. قدموا حريتهم.

وطبعا للتذكير فقط فإن حدثاً "هاماً وتاريخياً "كهذا سوف يحضر لافتتاحه العديد من الشخصيات الاعتبارية والهامة في فلسطين بالاضافة الى صحفيين واعلاميين من فلسطين وخارجها ، فهو حدث لا يمكن ان يمر مرور الكرام ، سوف يسجل ويذكر في غنيس. "فكركوا لو حررنا فلسطين ورجعنا اراضي الـ 48 بضيفونا لغنيس"؟؟؟

أكمل قراءة المقال عن حبة القطايف التي ستدخل التاريخ  وانا أشعر بالخجل والغضب عما وصلت اليه حالتنا الفلسطينية ، ولكن فوجئت برؤية شعار ال USAID للمرة الثانية في نفس اليوم ما جعلني اقرأ بسرعة ، حتى عرفت ان هذه المنظمة الامريكية هي من سيمول هذا الحدث......!
يا للسخرية حبة قطايف فلسطينية بتمويل أمريكي.. يا جماعة هاي هي الوحدة " الامريفلسطينية" قبل ميكون أصلاً في وحدة  عربية ".

فقط سأطرح سؤالاً وسأترك الاجابة لكم ......
كيف وصلنا الى هذا القدر من الذل والمهانة لنرضى بأن نصبح شعباً مسيراً لا مخيراً، يقبل بشروطٍ يفرضها عليه طرفٌ كل هدفه هو السيطرة والاستيلاء ليس فقط على ارضنا بل على عقولنا لتسييسها بما يخدم مصالحه ومصالح حلفاءه ؟؟؟


  •  صورة لشعار ال USAID على الجدار في بيت لحم / أخذت بواسطة رشا موسى
      

هناك 7 تعليقات:

  1. كادت أن تخرجا من مكانهما عيناي حين رأيتُ الشعار على الجدار، محاط بشعارات ثورية ووطنية، والـ USAID -التي تذكرنا دائما بأهمية بطوننا مشكورة- ،، في القـلب... يا اختي القصة كبرت!!

    وكأن الفاضلة ال USAID تقول لنا " ها نحنُ نرمم لكم شوارعكم ونشغل شبابكم في المؤسسات ونبني مدارسكم ، فاتركوا ذاكرتكم قليلا!" انها محض رشوة لننسى حقنا الأسمى في العودة والحرية.

    ليتَ شعبنا لديه من الوعي ما يكفي ليرفض هذا الاحتلال المقنّع يا صديقتي !

    ردحذف
  2. هنا بيت القصيد يا بشرى
    انا اتمنى ان يصبح لدى شعبنا القليل فقط من الوعي حتى يدرك ما يحدث

    ردحذف
  3. اولا سملت يداك يا رشا على هذا المقال الرائع ، والى الأمام .
    أما بالنسبة لاستغرابك ولثورتك على ما رأيت فهذا ما الت اليه حياة الفلسطينيين التعود على التمويل ولكن ليس من الدول العربية المانحة ، بل أيضا اصبحنا نطالب بكل عين " وقحة " إن صح التعبير التمويل من العدو الاكبر أمريكا ، ليس فقط هذا بل نغضب إن تأخروا بمعوناتهم ، وكأننا نقول لهم بأن دعمكم لنا في كفة وعدوانيتكم لنا شيء اخر .
    أما بالنسبة لغينس فإن أمريكا ومثيلاتها خططت لهذا مرارا وتكرارا ، تقديم الشعب الفلسطيني " والدول العربية " ووضعها في الارقام القياسية بطريقة مخجلة وتحط من مقدارنا أمام الشعوب الأخرى ، وكأن الشغل الشاغل لنا هو الأكل !!!
    لكن أود القول أنه طالما هناك أناس يفكرون بطريقتك ووجود الغير طبعا يؤيدون هذا التفكير ... فأنا أؤكد لك أن هذه اللعبة لن تطول بإذن الله .

    ردحذف
  4. محمود الاطرش27 أغسطس 2010 في 5:15 م

    شكراً لمقالك الجميل،

    هذه المنظمات ومن يمولها يثبتون بأننا "مفاجيع" وهي أمتداد لاسلوب التخدير الذي يسلط علينا.

    من المدهش أن تمسي هذه المنظمات الصدر الحنون لضعفنا، وأن نحلف باسمها.

    لا أعتب لأن السلطة نفسها يو أس أيد لكن بسحنات عربية

    ردحذف
  5. وفاء الحياة اللي عم نعيشها كل شي فيها بصير ما عاد في شي مستغرب
    واذا ضلت سيطرة اليو اس ايد على حياتنا هيك رح يجي يوم نترجاهم يسيطررو علينا

    عزيزي محمود شكرا جزيلا على التعليق وفعلا السلطة نفسها هي يو اس ايد واكثر من ذلك .. فهي الداعم الاول لوجودهم وسيطرتهم علينا

    ردحذف
  6. مش بس اللي بينكتب عليه يو اس ايد، "روّاد" همي يو اس ايد .. ومليان مؤسسات يو اس ايد بتشتغل منها وبغير اسمها، ها غير المؤسسات الحكومية وخراب البيت اللي جوا

    لي زميل قابلوه ليكون مدير المشاريع لل يو اس ايد في شمال الضفة .. وفي المقابلة تفاجأ بأسئلة تحقيق في الفكر والسياسة، وعندما قال لهم أنا ضد المنظمة الصهيونية "زحلقوه" ووضعوا شخص آخر تافه وطنياً ولا يميز الخاين عن الوطني في السياسة

    تحياتي لهذا الطرح الوطني الجريء

    ردحذف
  7. كلام جميل رشا و هذا ما تغرده طيور الحرية في العالم اجمع....نريدنا كرامتنا و حريتنا لا نريد ان نعيش في الذل و الهوان
    كلمات تعبر عن المآسي نعيشها تحت سلطة امريكا و عملاءها من رؤوساء اغلب الدول العربية

    ردحذف