Main topics

أبريل 06، 2012

حكايات من عبق التراث الفلسطيني

العملة الفلسطينية قديمًا/ إكرام أبوعيشة
منذ سبعة وأربعين عامًا بدأ عزام عارف اسماعيل، من قرية بيت إيبا، الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة نابلس الفلسطينية، بجمع الطوابع البريدية والعملات، ثم تطورت هوايته، وأصبح يجمع كل القطع التي لها علاقة بتراث الشعب الفلسطيني، الهواية التي ولدت مع عزام دفعته إلى فتح معرضًا في منطقة رفيديا، وهي منطقة حيوية في مدينة نابلس، وأطلق عليه إسم 'بيت الأنتيكا' ليلفت نظر الناس إلى أهمية القطع التراثية التي يطلقون عليها إسم 'أنتيكا.
لم يكن هدف عزام ماديًا من المعرض بقدر ما كان هدفه لفت نظر الناس في منطقة نابلس إلى أهمية التاريخ الذي تحمله هذه القطع كما يقول، ويضيف عزام: "لاحظت أن المواطن الفلسطيني بشكل عام، وتحديدًا في مدينة نابلس، لا يدرك أهمية ما تركه لنا أجدادنا من إرث ثقافي يدل على شرعية تواجدنا بهذه الأرض؛ لذلك قررت أن أجمع في هذا المعرض كل ما له علاقة بحياة الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد عن مئة عام، ليتسنى لنا معرفة ولو نبذة عن تاريخنا العظيم".
ويشير عزام أيضًا إلى أحد الأسباب الرئيسة التي دفعته لمواصلة جمع القطع الأثرية، وهو محاولات إسرائيل للكولسة على التراث الفلسطيني وتهويده، لذلك أصبح يرى أنه من الواجب عليه كمواطن فلسطيني أن يبذل ما باستطاعته من جهود للحفاظ على هوية التراث الفلسطيني من السرقة، "فأي شيء له علاقة بالماضي أمانة تركها الأجداد لنا وعلينا أن نوصلها لأبنائنا بما تحمله من ثقافة، وتاريخ".

قطع من الحلي القديمة موجودة في معرض بيت الأنتيكا/ إكرام أبوعيشة
ويصف اسماعيل إقبال الناس على معرضه بالمتوسط، ويؤكد أن غالبية من يتوجهون له هم من الأشخاص المهتمين بفنون الديكور، مؤكدًا على أن القطع التراثية الفلسطينية أصبحت الآن تستخدم بشكل كبير في التصميمات الكلاسيكية للبيوت، وهناك الكثير من النساء يقصدن محله ليأخذن فكرة عن القطع المستخدمة في الديكور القديم، كما يجذب انتباههن قطع الحلي القديمة المصنوعة من الفضة، ويجدن فيها من الجمال ما يتفوق على قطع الزينة والمجوهرات المصنوعة في هذه الأيام.
ويتعايش عزام مع الإرث الذي يحويه معرضه، فكل قطعة لها رواية تحكيها لنا، يقول عزام: "إن المقتنيات القديمة ليست مجرد أشياء نستخدمها للزينة بل إن كل أداة أو قطعة أو حلي استخدمه أجدادنا لها قصة، ونستطيع من خلالها أن نستدل على العادات والتقاليد التي كانت سائدة في المجتمع الفلسطيني قديمًا، فمثلا الثوب المطرز نستطيع من خلاله أن نستقرئ الحالة الاجتماعية للفتاة إذا كانت عزباء أو متزوجة، كما ويمكن أن نستدل من خلاله على المنطقة التي تسكنها".

صندوق العروس الفلسطينية عمره 170 عاما/ إكرام أبوعيشة
ويعتبر صندوق العروس من القطع التي تطلعنا بشكل واضح على واحدة من العادات الإجتماعية التي سادت المجتمع الفلسطيني قديمًا، كما يشرح عزام قائلًا: "كانت كل عروس فلسطينية تأخذ معها صندوق، عندما تخرج من بيت أهلها إلى بيت زوجها، تضع فيه مقتنياتها من ملابس وحلي وعطور بالإضافة إلى علبة الكحلة العربية، بحسب ما يتناسب مع إمكانياتها وإمكانيات زوجها". ويشير عزام إلى طبقة النحاس التي تغطي الصندوق الموجود في معرضه، قائلا أن وجود طبقة النحاس على الصندوق يدل عل أن صاحبته كانت تنتمي إلى الطبقات الثرية في المجتمع الفلسطيني.

ويجمع عزام قطعه الأثرية، الموزعة بين زوايا معرضه كلوحة سريالية، من بيوت الريف والمدن الفلسطينية، ويضعها في معرضه بعد صيانتها لتكون شاهدًا يستدل به على رسوخ الفلسطيني بأرضه، وتمسكه بكل ما من شأنه أن يثبت كنعانية الأرض الفلسطينية وعروبتها، فالداخل لمعرض 'بيت الأنيكا' يحتار إلى أي القطع ينظر وعن تاريخ أي قطعة يسأل، فتزاحم المعرض بالقطع القادمة من عبق أصالة الحياة الفلسطينية القديمة يجعلك تقف مذهولا أمام ثقافة سطرها الفلسطيني بعرق جبينه، وتناقلها من الأجداد للأحفاد.
ويتمنى عزام، في رسالته الموجهة إلى المواطن والمسؤول الفلسطيني، الاهتمام أكثر بالأماكن الأثرية والقطع التاريخية الفلسطينية، من خلال التوثيق وتخصيص أماكن وكوادر لإعادة ترميمها؛ لأنها ثروة مهمة لنا، كشعب يعاني من هجمة ثقافية من قبل الاحتلال، "يقول عزام: "أي شعب يتعرض تراثه لمحاولات سرقة يصبح تاريخه أهم من حاضره ومستقبله، فمن لا تاريخ له، لا حاضر له ولا مستقبل".

يستمر الفلسطيني في محاولاته المتكررة للحفاظ على كينونته في أرضه، غير آبهًا في الحرب المعلنة عليه من قبل احتلال اتخذ من لغة العنف والسلاح والدم وسيلة لإيجاد كيان له، لكن كل ممارساته لا تنجح بالنيل من إرادة المواطن الفلسطيني القابع على هذه الأرض بعنفوان العربي الأصيل المؤمن بأن الحق يرجع لأصحابه ولو بعد حين.  


إسطوانة الغناء: تستخدم في ديكور المنازل الكلاسيكية/ إكرام أبوعيشة


* عدسة إكرام ابو عيشة

هناك 3 تعليقات: