Main topics

مايو 07، 2012

الشيخ حامد البيتاوي تاريخ يشرف أحفادنا

صورة مأخوذة من بوستر للشيخ حامد البيتاوي/ إكرام أبوعيشة
لم تكن أسرة الشيخ حامد البيتاوي تدرك عام 1944 أن مولودهم الجديد سيصبح في يوم من الأيام خطيبًا للمسجد الأقصى، وشخصية معروفة على مستوى فلسطين يعتز بها كل من له انتماء لأرض الوطن. البيتاوي، الذي تربى في قرية بيتا البسيطة الواقعة إلى الشرق من مدينة نابلس، حظي بشعبية كبيرة بين أبناء قريته وكذلك في مدينته، وبين أبناء سائر الشعب الفلسطيني، فقد انتخب عضوًا  للمجلس التشريعي الفلسطيني في دورته الثانية عام 2006 عن قائمة الإصلاح والتغيير التابعة لحركة المقاومة الإسلامية– حماس، حيث كان الشيخ حامد أحد قيادتها.

درس البيتاوي في الجامعة الأردنية في كلية الشريعة وتخرج منها عام 1968م، ليكون الفكر الإسلامي منهجًا له يحاول نشره من خلال عمله ومساهمته بعدة نشاطات، فقد كان البيتاوي من الأسماء اللامعة في سماء الصحوة الإسلامية في فلسطين، خاصة داخل الخط الأخضر، ومن خلال عمله في عدة وظائف استطاع أن يكون بمثابة قدوة وأهلًا للثقة بين أوساط الشعب الفلسطيني.

شغل البيتاوي مناصبًا مهمة منذ ولادته وحتى وفاته، لكن ذلك لم يمنعه من مشاركة أبناء شعبه في مسيرتهم النضالية، فلم يتوان الشيخ حامد يومًا عن نصرة الحق بل كان بمثابة البوصلة التي ترشد أبناء وطنه إلى الطريق الصحيح، فقد تعرض البيتاوي للاعتقال عدة مرات قبل إتفاقية أوسلو، كما اعتقلته الأجهزة الأمنية الفلسطينية أيضا لمعارضته إتفاق أوسلو وتحريمه التنسيق الأمني. وكذلك اعتقل بعد إنتخابه في المجلس التشريعي. ومن أبرز محطات النضال في حياته إبعاده إلى مرج الزهور مع مجموعة من قيادات حماس عام 1992، كما ولم يرتدع الاحتلال عن عرقلة حركته، فقد منعه من السفر لإكمال دراسته، فتابعها في جامعة النجاح الوطنية وتخرج عام 1991م، وهو يحمل شهادة الماجستير في الفقه والتشريع.

واجه البيتاوي ممارسات قمعية عديدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لكن كل هذه الممارسات لم تزده إلا صلابة لصلابته، وثباتًا على موقفه وتمسكًا بحقه وحق أبناء شعبه، فكان مثالًا راسخًا في عقل وقلب كل فلسطيني غيور على هوية بلاده،  فقد مثل الشيخ حامد بقناعاته وتضحياته شخصية مميزة تحظى بتقدير واحترام من قبل كل من عرفها.

شارك الشيخ حامد بمجموعة من الأعمال الخيرية، وكان عضوًا في العديد من الجمعيات والهيئات واللجان، كالهيئة الإسلامية العليا في القدس، وجمعية التضامن الخيرية، ولجنة زكاة نابلس، ولجان إنشاء المساجد، وكذلك عمل كرئيسًا لرابطة علماء فلسطين، فلم يستثن يومًا من عمره إلا وزرع فيه غرسة من خير، وكل غراسه ترعرت ونمت وأصبحت اليوم خير شاهد على ماقدمه هذا الرجل لوطنه وأمته.

تزوج الشيخ حامد من إمرأة مقدسية وأنجب منها ستة أبناء وإبنة واحدة، وسكن في مدينة نابلس، لتصبح هذه المدينة بكل ما فيها من شوارع وأزقة وميادين مؤشرًا على ما قدمه هذا الرجل من عطاء لها على طوال سني عمره الخمسة والسبعين، التي اغتنم كل فرصة فيها ليصنع لهذا البلد تاريخًا يشرف الأحفاد عندما يروونه لأبنائهم.                                                                              


الشيخ حامد البيتاوي أثناء تدهور صحته بالآونة الأخيرة\
عباس أبو دية
بدأ الشيخ حامد البيتاوي يعاني من المرض منذ عشرين عاما، فأصيب بمرض السكري ما أدى إلى بتر جزء من أصابع قدمه، وبعد ذلك أصيب بمشاكل صحية بالقلب وأجرى عدة عمليات جراحية كان آخرها عملية قسطرة أجريت له في المشفى العربي بمدينة نابلس، وبعد ذلك أخذت صحته بالتراجع إلا أنه استمر في مسيرته بالعطاء التي عاهد الله أن لا ينهيها ما دامت روحه باقية في جسده.


توفي الشيخ حامد في الرابع من نيسان للعام الحالي وهو يسير في شوارع مدينة القدس التي أحبها، ولطالما صدح صوته في سمائها شاديًا بالحق المبين، واستقبل أهالي فلسطين هذا الخبر بحزن عميق، ربما اعتادوه، ولكنه هذه المرة جاء مفاجئ، وله وقع كبير في نفوسهم، والكل يضمر حقيقة في داخله مفادها أن شخصية هذا الرجل نادرة، ومن الصعب أن تتكرر، لكن كل فلسطيني عرف الشيخ حامد سيدعو الله أن يرزق أرحام الأمهات الفلسطينيات برجل كمثله، فإن لم تحمل الأجنة القادمة ملامح وجه هذا الرجل، سنكتفي بأن يحمل كل واحد منهم صفة من صفاته الفذة.


"قد يعرف أبناؤنا عن أبطال الماضي، ومهمتنا أن نكون نحن من يصنع المستقبل" تحمل هذه العبارة بين طياتها رسالة لكل من يدرك أهمية نفسه في صناعة مستقبل مشرف لنا كما كان ماضينا، ولعل في شخصية الشيخ حامد البيتاوي خير مثال على أننا نستطيع مواصلة طريقنا، فهذه  الأمة باقي الخير فيها ما بقيت، لكنه بحاجة ليد ترعاه وتمده بالعطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق