"مجلس العدل" تتألق على خشبة المسرح

قصة شعبية، لم تكتب بروايات ولا في الأساطير الإغريقية، ومن المحتمل أنه تم تأليفها تحت ظروف قمعية.  مسرحية " مجلس العدل" للكاتب المصري "توفيق الحكيم .

تم عرضها من قبل طلاب أكاديمية الدراما في مسرح وسينماتك القصبة، وقام بإعدادها وإخرجها المخرج" جورج ابراهيم"، حيث كانت المسرحية واحدة من أعمال طلاب السنة الثالثة في أكادمية الدراما .

ركزت المسرحية في تسليط الضوء على قضية حساسة ومهمة جداً، و بأسلوب نقدي وكوميدي ساخر، تتوالى المشاهد الواحد تلو الآخر وتعرض لنا قضايا وشخصيات موجودة في مجتمعنا، تعيش تحت حكم القضاء الفاسد، وهنا كانت النقطة المركزية في المسرحية، السلطة المطلقة، التي لا تتعرض لأي مساءلة، وقد جسدتها المسرحية في شخصية القاضي التي لعب دورها كل من الممثل" ربيع حنني، شمس عاصي، ثائر ظاهر" . فالقاضي مستعد دائماً لإصدار أحكام تخدم مصلحته، ومصلحة شركائه، المسخرين لخدمة مصالحه هو .
 هنا كانت شخصية الفران التي تواجدت في كل المشاهد والذي لعب دورها الممثل " فارس ابو صالح"، الشخصية التي تقوم بعمل الفوضى في المجتمع وتشعر بالأمان الدائم فالقاضي دائماً حامي لشركائه الذين يساعدونه على كسب المال .

ومن المشاهد التي لعبت على الوتر الحساس، مشهد الشيخ الذي أدى دوره الممثل "شبلي البو" حيث الرغبة المنكسرة في الخروج عن المفروض، لكن غض البصر واجب عليه .

وهنا الأنثى تلعب الدور الرئيسي في تشتيت الإنتباه لدى الشيوخ، حيث يستعملها القاضي، ليرطب الأجواء ويكسب القضية، وهناك دائماً المبررات والحجج، المأخوذة من الدين والعادات والتقاليد، التي يفرضها المجتمع تلقائياً على نفسه،  لتصبح فيما بعد أداة في يد الجلاد، ويستخدمها ليضرب بها بقوة كل رجل وامرأة، فقط ليزيد من سلطته وثروته، ويبقى هو الحاكم والقطيع يعيش تحت إمرته ورغبته .                                     

 ويأتي المشهد الأخير بكل قوة ليصفع هذا القاضي على الوجة مباشرة، فالقضية كانت تدور أمام عين هذا الفلاح الذي أدى دوره" صهيب أبو خشان"، حيث يتهمه بشقاوة بالكذب، ويذكره أنه مازال في المجتمع أحد يبصر، وليس الكل نيام كما كان يعتقد، والغباء لا يتفشى كالوباء بل يمكن أن نمنع أنفسنا منه، ونتجرأ على قول الحق دون خوف، ونرغب في رفض الظلم ومنع الإستبداد الذي يفرضه علينا القضاء الفاسد .

لكن الدنيا في طبعها غير عادلة، فيقع الفلاح أيضا في فخ القوى الشريرة، ويطبق القاضي عليه الحكم، وتكون عقوبته 20 دينار غرامة لأنه جاء ليلقي نظرة على العدالة الغائبة .

"العدل أساس القانون"، والقانون بحاجة إلى سلطة تنفيذية، ولكن ماذا لو كانت هذه السلطة مطلقة وبدون حدود أو مساءلة؟

هل ستكون قادرة على العدل والإنصاف؟ هذه الأسئلة التي تدور في ذهنك أثناء مشاهدتك للعرض، أين هم البشر من هذا القضاء، ولماذا دائما نفضل الصمت، ونرغب في الشقاء ؟

كان من المهم جداً طرح موضوع المسرحية هذه، وكان من المفترض أن يحضرها قضاة العدل، وبعض المحاميين . ومع ذلك امتلئت مقاعد مسرح "القصبة" بالحضور، وكان الضحك يصدح في المكان، ولكن هل فهم الجمهور الكرام جمالية هذا الضحك، فكل قضية في المسرحية كانت خاسرة، والعدل كان غير موجود، وكانت جملة الختام للمسرحية " العدل كان ضايع في قصتنا الشعبية، تنسوش احنا عنا حقوق مدنية، بس يا هل ترى راح تطلعوا من هون وتتسكر القضية؟!" .

اثناء مشاهدة المسرحية تكتشف مدى أهمية الأخراج فيها، حيث تم تسليط الضوء على أكثر من نشاط فني يتم تدريسه لطلاب الأكاديمية، حيث تبدأ المسرحية برقصة تظهر مدى براعة الطلاب وقوتهم في ايصال الرسالة للجمهور منذ البداية، فالصراع على الكرسي، كان قد خيم على خشبة المسرح، من منهم سيكون القاضي، هل المرأة لها الحق بأن تكون القاضية، وهل ستكون الإنتخابات والديمقراطية هي المفتاح الحاسم في تقرير النتيجة .

ومن ثم يأتي الصوت الموسيقي مع ايقاع الطبلة، في اغنية "ياهويدلك يا هويدلي"، التي كانت الفاصل بين كل المشاهد الموجودة في المسرحية.

ويضرب الإيقاع المشاهد ويزيدها تشويقاً في القتال المسرحي في مشاهد المسرحية يظهر مدى تمكن الطلاب في هذا المجال.

 كان هدف المخرج جورج ابراهيم واضح في اظهار مدى قدرة أكاديمية الدراما على تخريج طلاب محترفين قادرين على الرقص والغناء والقتال المسرحي والتمثيل، وتعتبر هذه الأكاديمية الأولى من نوعها في فلسطين، وتضم مدرسين مؤهلين علميا وأكاديمياً متخصصين في جميع المجالات ذات الصلة .

وتمنح أكاديمية الدراما وجامعة فولكفانج في المانيا شهادة البكالوريس في مجال التمثيل، وهي شهادة معترف فيها عالمياً .

مسرحية " مجلس العدل" شارك فيها  كل من الممثلة: ملك ابو غربية، شمس عاصي، ثائر ظاهر، خليل بطران، ربيع حنني، صهيب أبو خشان، فارس أبو صالح، و شبلي البو . 

وقام بتدريب الصوت والموسيقى والغناء فيليتسيا ترزيلا، واشرف على القتال المسرحي، أديب الصفدي، وقام الراقص خالد البرغوثي بتصميم الرقصة .

وسيتم عرض المسرحية في مناطق مختلفة في الضفة الغربية .