Main topics

أغسطس 24، 2010

الآنَ هُنـا .. أنـتَ وأنــا



يقول صوتٌ منمقٌ مصابٌ بالفخرِ المُزمِن:
"ابقي هنا والعمرُ سيحلو"
تتقطع أنفاسي غربةً،
الهواءُ يتلطّخ وقَلبي برغمِ الخوفِ يبتسم :
"لديّ وطنٌ كاملٌ هناك ..
يقبعُ منتظرا ويشقيهِ الحَنين"


ويحها البلاد التي ظنّت ان الشك سينتابُ يقيني
ويحهُ سفرٌ ظنَ انهُ يأخذني..
منذ أوانه عرفتُ اني سأزداد التصاقا ، جنونا وهوسا بك
وكم أنتَ أنت وليس في المدى إلّاك .
وكم هو هباء الأحلام في ليلي الطويل
– اسهر على المك،
اسامرُ غيابكَ -
بعيدا عنك
كل الأشياء تكتسب حقيقتها بك
وكل ما خارجك زيف وتنميق وفحش قبيح أحمق

لك ان تتخيل الطرقات البغيضة التي اقتطعتُها وانا احملكَ واحلمك
لكَ ان تتخيل أعين الغرباء تفتش عني تحت جلدي
وتخترق نظراتهم نظارتي السوداء ، فلا ترى سواك

لكَ ان تتخيل الباصات التي احتوت حزني واشعة الشمس التي التهمتني
والساعات التي قضيتها افكر بك واراسلكَ سراً أرقبُ ان تلوحَ لي سمائك ..
وعيون المجندة التي ودت لو اغتالتني
وودت لو أدفنها حية .
لا أقول لها شكرا أو ثانكيو أو تودا..
أقول بعيني الذي لا يقال
لو كان هناكَ حكماً يقوم على النظرة، لأُعدمتُ شنقاً يا وطني !

لكَ ان تتخيل جنديٌ مراهق يقفُ على الحدود
يدقُ على زجاج كابينته لألتفت
يراني ولا أراه
يطلب جوازَ سفري ولا يطلبُه من غيري
ليسترق النظر الى صورتي
يغازلني أمام ابي
ويقول له "اسمي مخمد" ، ويرد ابي بسخرية اكبر "وانا موشيه"

لكَ ان تتخيل غربتي،
ولكَ ان تعرف اني اذا ما غبت عنك يوما ستخدش كرامتي ..
ويؤلمني كياني

لكَ ان تتخيل ..
لكنكَ حقيقةً لن تعرف..
سوى أني أخاف على حياتي
ان افارقها في أرضٍ لا تقع تحت سماءك
واني هنا والآن أولد
وهنا أدفن وأُزرع.. لأنبت من جديد

من غيرنا يشبهُ في نزقه انبثاق الفجر؟
ومن غيرنا تقبع في عيونه حكاياكَ منذ الأزل؟
من غيرنا يحملكَ في القلب اينما رمته المنافي وشردته الأرض؟
من غيرنا لديه هذا العشق الجينيّ لك يتأصلُ في الجذور؟
من غيرنا يلملمُ وجعكَ ويحيله الى شعرٍ وأغنيات؟

اليوم يمكنني أن أمتنَ للحياة .. أمتنُ لها لاني بك
لأني منك
لأني معك
لأني اذا رحلت
مؤكد على الدوام سأعود اليك

أمتن لك، ترتحل برفقتي
تراقبني وأنا اتصنع رقةً
واقبلُ بتودد مجهولٍ لي
يفاجئه اني اشتعل وطناً - احاول أن أواريه عبثا-
فيغض النظر ويرحل

انا التي تورطتُ بكَ عشقاً وأسراً ..
لم أعد أعرف للدربِ رفيقا سواك
وانتَ الدرب والحلم وهطول الشوق الـ ما به انقطاع
ولأنكَ كنت تظهر لكل غريب .. اليوم اغفرُ لي ذنوبي
استغفر الوطن العظيم.
استغفرُكَ ايها الوطن العظيم .
واتوب اليكَ
والجأ اليك
واعود اليك
واعوذ بكَ من دناءة الأنجاس
ومن شر الوسواس الخنّاس
واعلم ستغفر لي
بعضُ الخطايا لا تحدثُ الا لتجدد بهاء القلب والعهد والوفاء

لا زلت أذكر دهشتي ,, وضعف النظر الذي دنا مني
افتش عنك في الشوارع البليدة والمقاهي الأنيقة
والاحاديث المترفة والملابس الملونة،
والاعلام الكاذبة لأوطانٍ كاذبة
تقف شموخا كاذبا
ترفرف على المباني وافتقار الحياة للحياة
ما ان وطأ القلبُ أرضك ادركت انها لم تكن سوى حدة بصيرتي ..
وحدكَ من يستحق الولاء .. وحده هواءك هواء
وحدكَ من يستحقُ أن الهثَ وراءه وأكذّب كل شيء لأصدقه

ها أنا احتضنكَ بملء الشوق والوجد
وها أنتَ تغتر ولا يحق لسواك ان يفعل
ومثلك انا اغترُ بك ,,

فيا لجمال القدر وكرم السمـاء ،
منحتني اياكَ وطناً
ومنحتكَ اياي لاجئة اليك ,, متوطنة بك

مشردة سعيدة ما كنتُ في شرف متاهتك
وتجرعتُ مرَك حلواً
ودفنتُ في مجد ترابك ..


,، تعالَ ليسكنَ أحدنا الآخر وأصبحكَ من جديد واصطبحُ عليك.

 الصورة أُخذت في مدينة بيت جالا بواسطة الصديقة صفاء مسلّم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق