Main topics

مايو 08، 2011

رحلة التراث من القدس الى شفاعمرو

صورة من فعاليات جمعية رعاية وخدمة الاسرة الفلسطينية في القدس
في شمال فلسطين وعند مدخل الجليل الغربي هناك تستلقي مدينة شفاعمرو الفلسطينية، التي تبعد عن سطح البحر حوالي مائة متر، ويفصلها عن شاطئ البحر الابيض المتوسط حوالي ثمانية كيلومترات ، وليس هذا فحسب ، فهذه المدينة تمتاز بموقع استراتجي حيث تبعد ذات المسافة ( 8كم) عن المدن الكبرى الثلاث حيفا وعكا والناصرة ، كما أنها تحوز على لقب " روما الصغرى " ، كونها تقع على سبعة تلال  .
هكذا كانت البداية مع مضيفنا الإعلامي الشفاعمري وليد ياسين ، المدير التنفيذي لجمعية رعاية وخدمة الأسرة الفلسطينية المقدسية ، في الداخل الفلسطيني وهو يصحبنا في جولة سريعة في أرجاء مدينة شفاعمرو لم يكن في مخيلتي وأنا أستعد للسفر لأشارك ولأول مرة في معرض للتراث الفلسطيني ، والذي أختير له إسم " تراثنا هويتنا"، أن لهذه المدينة أسرارها وجمالياتها وتاريخها ، فالمدينة ومنذ إحتلالها على يد الإسرائيليين عام ثمانية وأربعين ، أصبحت مركزاً لما عرف بفلسطيني ال48 وكذلك الحال في الزمن الماضي ، وخاصة أيام الحكم العثماني في زمن الحاكم ظاهر العمر الزيداني وتحديداً في منتصف القرن الثامن عشر ، الذي قام إبنه عثمان على تشييد قلعتها الشهيرة وأحاطها بالأبراج لتحصينها ، ما جعل شفاعمرو " نقطة مركزية" ، للولاة في المنطقة حينذاك . ولعل المنظر الأكثر جمالية هو عندما تنظر من أعلى نقطة وتحديداً من الجهة الغربية للمدينة حيث تكشف للناظر اليها عن مشهد في غاية الروعة ، رؤية شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، الذي يصل شاطئه بين حيفا وعكا ، وأما من الجهات الأخرى فالناظر يستطيع مشاهدة جبال الجليل والوديان المحيطة بالمدينة .

ولا تنتهي القصة ، هنا ، فشفاعمرو ليست فقط طبيعة جغرافية ساحرة وتاريخ عريق يعود لزمن الكنعانيين ، بل تكشف عن حضور بشري وقوة نسائية فاعلة قادرة ووعي للنساء الشفاعمريات من حيث حب العمل وبشكل دؤوب من أجل التراث وبهدف تعريف الأجيال الشابة على التراث الفلسطيني باعتباره تاريخ وهوية وحضارة تعكس الكيان الفلسطيني الحاضر في الذاكرة ، لذلك كانت المشاركة ومن قبل غالبية الأطر النسائية الشفاعمرية في معرض " تراثنا هويتنا " ، والترتيب لإستقبالنا نحن النساء المقدسيات وليس هذا فحسب ، بل العمل على تجنييد كل الطاقات البشرية والمادية ، من أجل تكثيف الحضور لتسويق ما صنعته النساء المقدسيات من حقائب وجزادين واسوار ومعلقات وصور وخرائط واثواب مثلت المدن والقرى الفلسطينية وغيرها من المجسمات التي تشكل رمزا للهوية الوطنية الفلسطينية .

سألت إحدى النساء عن سبب الإقبال وعن هذا التفاعل مع معرض التراث فأجابتني بكل حماس :" إنه تراثنا وهو هويتنا التي أريد لطفلي هذا أن يتعرف عليه وعلى جمالياته وعمق حضوره في عكس الصورة الحضارية لشعبنا و كما اردنا من خلال جمعيتنا النسائية " تواصل وعطاء " أن نتواصل مع أهلنا الفلسطينيين وأن نساند وندعم النساء العاملات الذين يعانون من الإحتلال الاسرائيلي البغيض " . ان ما يمييز العمل النسائي في شفاعمرو والنساء الشفاعمريات هو حسن الإدارة والتنظيم والتشارك والتنسيق بين الأطر المختلفة فيما يقمن به من نشاطات وفعاليات ، فلم نشعر أن هناك اختلاف في وجهات النظر بين هذه الأطر المختلفة الآراء والمشارب ، بل كان التنظيم على أعلى مستوى سواء ما تعلق بموقع المعرض أو في تنظيم الفعاليات الفنية أو حتى في إعداد الطعام الذي توزع بينهن ، وكان يجلب ولمدة ثلاثة أيام متواصلة الى موقع المعرض في المركز الثقافي التابع لبلدية شفاعمرو .


معرض تراثنا هويتنا
 إن المعرض الذي أقيم في شفاعمرو سبقه  معرض في بلدة عبلين وكوكب ابو الهيجاء المجاورة لشفاعمرو كما سيتم تنظيم العمل على تنظيم معارض أخرى في بلدات عربية فلسطينية مثل طمرة وبئر المكسور وغيرها من البلدات العربية في الداخل الفلسطيني ، وعن هذه المعارض يقول الإعلامي وليد ياسين ، الذي يقوم على رئاسة تحرير الفجر الساطع تأتي تحت عنوان" عام التراث في الداخل" ، مضيفاً " لقد خصصننا عام 2011 حتى يكون عام التراث ، هذا التراث  التي تحاول إسرائيل وبشكل دؤوب سرقته واقتناصه بل وانتحاله ، ومن هنا، من شفاعمرو رسخنا فكرة هذا المعرض وأعطيناه إسم " تراثنا هويتنا " .

إن مدينة شفاعمرو تفتح قلبها لزائريها فهي مدينة لا تشمخ اليوم بتاريخها وآثارها واديرتها فقط ، بل كذلك وهذا ما يثير كل زائر ، هو تلاحم سكانها من مسلمين ومسيحيين ودروز ، ففي ورشة العمل النهائية ، التي كانت عبارة عن تبادل وجهات النظر والاراء حول تفعيل العلاقات والفعاليات والنشاطات في المستقبل ضم الإجتماع نساء من مختلف الأطراف،  وما لفت نظرنا بشكل خاص هو المشاركة الفاعلة للمرأة الدرزية ، علماً أننا لا نملك في أذهاننا سوى صورة نمطية سلبية لصورة الجندي الدرزي ، الذي يحمل السلاح على الحواجز العسكرية الإسرائيلية ، التي تعمد الى تقطيع اوصال الوطن ، ولكن بديعة ، العضو الناشط في جمعية تواصل تقول : "أنا أعرف تلك الصورة ولكن الدروز ليسوا جميعا كذلك ، فانا إبني حرم من العمل لأنه رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي ".

هذه هي مدينة شفاعمرو ، التي استقبلت نساء مقدسيات يعملن على إحياء التراث و تسويقه كونه مصدر الرزق الوحيد لهن ، وكان تحت إشراف جمعية رعاية وخدمة الأسرة الفلسطينية في القدس ، اللواتي عبرن عن سعادتهن وتمييز تجربتهن وخاصة التعرف عن قرب على إحدى المدن الفلسطينية العريقة بسكانها وتاريخها . فعلاً إن شفاعمرو، التي ودعتنا بحفل فني تراثي ساهر ، صدح خلاله صوت المطربه الشابة لبنى سلامة ، التي غنت باقة من الأغاني التراثية الشعبية ، هي مدينة فلسطينية لا تنسى، مدينة وإن كانت تعرف باسم القائد ظاهر العمر وبقلعتها الشهيرة إلا أنها تعرف اليوم أكثر ببوظتها المميزة " بوظة أبو زيتون " ، التي تصنع يدويا، وأسرار صنعتها تعود لعائلة واحدة وكذلك تعرف بقهوتها ذات الخلطة الشفاعمرية فمن يتذوقها تماما " كمن يشرب من ماء النيل " ، لا بد أن يعود اليها .


لمزيد من المعلومات :
* صورة من فعاليات جمعية رعاية وخدمة الاسرة الفلسطينية في القدس
* صورة من معرض تراثنا هويتنا

* مدينة شفاعمرو
* حيفا
* عكا
* الناصرة

هناك 3 تعليقات:

  1. شفا عمر ما في احلى من ثقافتها وانفتاحها الحضاري المندمج بالتراث
    موفقه برحلتك ...وعيشتينا مرحلتك
    مشكوره

    ردحذف
  2. يعطيكم العافية.. مؤثر يا وفاء... وكل التقدير والاحترام للجمعيات النسائية الشفاعمرية، وكذلك لقسم الثقافة والفنون في البلدية وللمركز الثقافي الذين لولهم لما استكمل المشروع بابهى صوره.

    ردحذف
  3. شكرا لوعد القاسم وشكرا لك يا استاذ وليد وان شاء الله يبقى التواصل مع شفاعمرو وكل مدننا الفلسطينية في الداخل

    ردحذف