Main topics

ديسمبر 09، 2011

الفنانة التشكيلية سمر غطاس: " الفن وحياتي وأنا شيء واحد"

الفنانة التشكيلية سمر غطاس/ رشا موسى

 بدأت حياتها الفنية مذ كانت طفلة تملك دفتراً صغيرا ترسم عليه أحلامها  وآمالها الى ان اختارت أن تصقل موهبتها وتحلّق في فضاءٍ واسع لا تحده حدود.

سمر غطاس فنانة تشكيلية من بيت لحم درست الفنون الجميلة والجرافيك ديزاين في اوكرانيا، ثم عادت بعد ذلك لأرض الوطن لتعمل كمعلمة للفنون الجميلة بدءا بمدرسة طاليطا وانتهاء بجامعة بيت لحم وكلية دار الكلمة. قوة الإبداع لديها تتأتى من حسها الفني العالي، ولما تعبّر لوحاتها عن قضايا مجتمعية وانسانية هامة.


حاولنا ان نتلمس بعضا من سحرها وغموضها، فكان لنا معها هذا الحديث الشيق:

- بداية، يطرح نفسه السؤال التقليدي كيف ابتدأت علاقتك بالريشة والألون؟ 

كان لدي منذ الطفولة دفتراً خاصاُ أرسم فيه، لم يكن هناك اهتمام خاص من المدرسة، لكني كنت ارسم لوحدي دائما. في المرحلة الثانوية التقيت استاذ الفن الذي شجعني ورأى ان لدي موهبة، وجعلني اشارك في معارض المدرسة.

- هل كان أحد من عائلتك فنانا او يحب الفن؟

عمتي كان لديها موهبة الرسم، وأرادت ان تدرس الفنون الجميلة ولكن كان من الصعب عليها ان تحصل على منحة لتدرس في الخارج فكانت ترسم اللوحات الزيتية، وعندما اكتشفوا اهلي موهبتي شجعوني على دراسة الفنون الجميلة. فسافرت الى اوكرانيا ودرست الفنون الجميلة وتخصصت بالجرافيكس.

- لماذا اخترتِ ان تعلّمي الفن ايضا؟

في الحقيقة لم اختره، وانما عثرت عليه صدفةً. التقيت مرة بالأستاذ الذي كان يدرسني الفن بالمدرسة وقال لي ان هناك وظيفة شاغرة في مدرسة طاليطا ولم اكن متقبلة لفكرة ان اكون معلمة، لكنه حثني قائلا "جرّبي" ومن ثم بدأت مسيرتي التعليمية ودرّست في العديد من المدارس منها مدرسة افتح للصم والبكم ومعهد الأزياء في بيت ساحور حيث درّست الجرافيك ديزاين لطلاب التصميم.

- يبدو أن التعليم استهواكِ؟

لا، الى الآن لا احب ان اكون معلمة، لكن بالطبع صار لدي خبرة وتجربة. فبعد الانتفاضة أُغلقت الكثير من مجالات العمل وكان التعليم ضمان وظيفي.

- ربما تجعلكِ وظيفتك على اتصال مباشر مع هوايتكِ كفنانة؟

لا، وظيفتي لا تتيح لي الحرية الكافية لأمارس هوايتي فهي تأخذ الكثير من الوقت والجهد، ولكني مع هذا أحاول ان امشي بشكلٍ متوازٍ بين الاثنتين وهذا شيء مُرهق.

- ما رأيك بالوضع الذي آل اليه الفن وكيف يكون مستقبل طالب الفن في فلسطين؟

كفنان لا يملك وظيفة يمكن له ان يفتح مكتب، يمكن ان يشارك في النشاطات الشبابية كالمخيمات الصيفية مثلا ويمكن ايضا ان يرسم ويعرض لوحاته للبيع، لكن في هذا الحال سيجد صعوبة، لن يستطيع ان ينضج كفنان بالافتقار للمحفزات، فهو سيعمل معرض او معرضين هنا ثم ينتقل الى رام الله ثم الى القدس، ويجد نفسه مضطرا في النهاية للسفر الى الخارج. الناس هنا يحبون الفن، يحبون ان يشاهدوه لكنهم لا يشتروه لأنه مُكلف. والفن ليس للبيع بقدر ما هو تعبير عن أفكار الفنان والوضع المجتمعي الذي يحيطه، فحتى لو لم يستطع ان يبيع سيكون له اسم.

إحدى لوحات الفنانة سمر/ بشرى فراج
- كيف تعبر سمر كفنانة عن نفسها من خلال اللوحات؟

اعبر عن الكثير من الأشياء، أعبر عن الواقع، المجتمع، الوضع السياسي والاجتماعي، أعبر عن المرأة والانسانية. في البداية كان اهتمامي بمواضيع المرأة اكبر ومن ثم لجأت الى فن الديجيتال الذي يتحدث عن الإنسان بشكل عام، ومن ثم صرت أرسم بالابيض والاسود لما فيه من مواضيع اجتماعية ونفسية وانسانية وخيالية وتحليلية، وعدت مجددا لأتحدث عن المرأة.

- ما المدرسة الفنية التي تنتمين لها؟


انا أنوّع من حين لآخر، ارسم الرسم التعبيري ، احيانا التجريدي وأحيانا خيال، كما أني أتعامل مع الفن التركيبي، الصلصال، الديجيتال ارت، اكرنيك، الفوتوشوب والخامات والمواد الطبيعية مثل الضمادات والحبوب.

- من تتابعين من الفنانين؟

أحب الفن المعاصر، أتابع الكثير من الفنانين الأوروبيين، أكثرهم يميلون الى السوريالي والغرائبي لكني لا أحفظ الأسماء كثيرا، فهم لا يمتلكون شهرة عالمية.

- ماذا يضيف الفن لسمر الإنسانة؟

ليس سهلا ان يدرس الإنسان الفن، هو ليس مجرد ان يمسك الإنسان ريشةً وألوان ويبدأ بالرسم. الفن هو صراع داخلي، في أثناء دراستي بدأت أشعر بأشياء تتغير في ذاتي خاصة في مجال الفن البصري، قُلبت شخصيتي. وليس من السهل ان تعبر عن فكرة معينة، تستحضرها ثم تكون مسؤولا عنها. انها تجعلك امام قضية ما. الفكرة تكون نابعة عنك انت، تعبّر عنك انت، واذا لم يكن لديك رؤية وشخصية فأنت لا تمتلك الفن.
ليس كل من يأخذ درساً بالفن يصبح فنانا، للفنان إبداع غير تقليدي في داخله، يرى الأشياء بمنظار مختلف عن الآخرين، قد لا يعجبهم او يعجب المجتمع، وهذا بالطبع تحدي كبير يواجه الفنان. إذا كان الإبداع موجود لديه فهو يستطيع التعبير عنه بالفن، يكون الإنسان في داخله فنان فإذا لم تتح له الفرصة ان يتعرّف الى الفن يبقى إنسانا عاديا لا يستطيع التعبير عن إبداعه. أما عني أنا فأنا "معجونة" بالفن. الفن وحياتي وأنا شيء واحد، لم يعد السؤال "ماذا يضيف الفن لكِ؟"، لأن الفن جزء مني.

- ماذا تقولين عن الفنانين الذين يعتبرون الجنون جزء اساسي من شخصياتهم، يظهر على الأغلب في شكلهم الخارجي؟

ليس كل من "نكش" شعره وارتدى ملابسا غريبة ووضع حلقا في أنفه يعبّر بالضرورة عن تمرّد، التمرّد والجنون مكنونات الفنان التي تظهر في لوحاته، ليس الجنون في المظهر انما في الجوهر. بالنسبة لي عملي بالجامعة يلزمني أن أظهر بمظهر لائق ومناسب لوظيفتي، فالفنان ليس موضة او مجرد شكل، جنونه الداخلي يجب ان يظهر في لوحاته، اللوحات هي التي تتكلم عن الجنون.

- هناك مثلا صينيا يقول " كونك غير مفهوم من قبل الناس لا يجعلك فنانا"، ما رأيكِ؟

بالطبع، الفنان الحقيقي لا يفكر بهذه الطريقة، هو يدرك ماذا يريد من لوحته، وإن كانت غير مفهومة هو لا يتعمد غموضها او تعقيدها، وإنما يعبّر عن جنونه الداخلي الذي يفهمه هو على الأقل. الفن التجريدي على سبيل المثال لا يفهمه المتلقي في معظم الأحوال.
أما اذا استغل الفنان هذه الحقيقة وزاد تعقيد لوحته معتبرا أنه نوع من الإبداع هو بالتالي لا يفهم ذاته ولا يفهم مقصده. نحن نمنح لقب "فنان" لكل من يحمل الفرشاة او يدرس الفن او يرسم لوحة ويقيم معرضا، لكن ان تكون فنانا هو ان تصل الى مرحلة عالية جدا من الوعي، وليس من السهل الوصول لها. ولست انا من أقرر أني استحق لقب "فنانة" او لا، بل أفكاري ومسيرتي وفني. والمدة الزمنية ليست بالضرورة مؤثرة، يمكن ان يكون الإنسان فنانا منذ بداية حياته دون خبرة، بل بموهبته لكن يجب ان تُصقل.


- ماذا عن معرضك الأخير دم وتراب؟

انا التي اخترت هذا الاسم.. دم وتراب يعبّر عن حق الإنسان في الدفاع عن أرضه، هو يفني نفسه لأجل تراب الأرض. والأرض هي المكان الذي يزرعه الإنسان ويحصده ويتمتع بخيراته، يعطيها وقته وجهده وعرقه وهي تعطيه ثمرها الذي يصبح فيما بعده دمه. وحين يسيطر محتل على أرضه وينتزعها منه هو ينتزع منه دمه وعرضه وكرامته. والإنسان الذي لا يملك أرضا لا كرامة له. قد نصعّب نحن ونعقد المسألة وندخلها في مضامين سياسية، لكن لو عدنا إلى أصل الفكرة سنجد أن الأرض هي ببساطة كرامة الإنسان، وهذا هو الشيء الأساسي والمبدئي في قضيتنا.
عرضت في هذا المعرض لوحات بالأبيض والأسود وهي تشكل الفكر الإنساني وتعقيدات الحياة بالحبر الأسود. واستخدمت الضمادات او الشاش الذي يعبّر عن الشهداء الذين يقدمون أرواحهم فداءً لأرضهم. ووضعت بعض القهوة وهي تعبر عن طيبات ومتعة الحياة. ثم لبن الشميد وضعته على الضمادات وهي فكرة تسخير الحيوان، والتراب هو فكرة ارتباط الإنسان بالأرض، حيث تتكون مبادئه وعاداته وتقاليده في المكان الذي ينشأ به.
كما وضعت جزء من التطريز على الشاش، وضعت على جزء منه البذور التي تعبّر عن داجون اله الزراعة عند الكنعانيين، والآلهة الأنثى من ورق الشجر.
البذور هي الأرض والمرأة هي الشجرة التي تحمل البذور، البعض اعتقد ان البذور تشكّل أيقونات كنسية، لكن لم يكن ذلك قصدي، بل الأيقونة هي الشهيد الذي مات لأجل الأرض.

- هل تفكّرين بإقامة معارض أخرى في المستقبل؟

بالطبع، فأنا دائمة الإنتاج، حيث أني أنتج شهريا برغم اني لست متفرغة تماما بسبب وظيفتي، أما فنّي فلي، ارسم كيف أحب واقتنع وأحس وأفكر. في السابق كان يلزمني سنتين تقريبا لأنجز معرضي، أما الآن وفي هذا المعرض الأخير لزمني أربع سنوات تقريباً بسبب ضيق الوقت.

- وماذا عن معارضك في الخارج؟

قمت بعرض لوحات في الخارج لكني لم اتابع ذلك كثيرا، فهذا يحتاج الى وقت وعلاقات اجتماعية كبيرة. عرضتُ في ايطاليا والنمسا وبريطانيا وأمريكا ودول أخرى.

- ماذا تقولين للفنانين الذين يغادرون الى الخارج ليجدوا فرص النجاح؟

البلد تخسر عندما تعي انها تخسر، وطالما لم تكن تعي خسارتها فلن تشعر بالفقد. وبذلك يحق للفنان أن يفكر في حياته وعمله. كنت في السابق ضد فكرة الهجرة، أما الآن فأنا أدرك ان الفنان هنا يبقى في نفس الدائرة، من سيقدّر فنه والمستوى الأخلاقي والفني في تدنٍ مستمر؟
هي بالطبع ليست أنانية ولكن من الممكن أن يعبّر عن فكره في الخارج بشكل أفضل، وتزدهر أعماله ومعارضه، وبإمكانه ان يكون مرتبطاً بقضيته خادما لها من بعيد. هنا يبقى الفنان "مطموراً" يأخذ بعض الجوائز، يعمل بعض المعارض، ولكن هناك مراحل ومسؤوليات، يجب ان يجد جمهورا يحب لوحاته ويتابعها. كما أن على الجهات المسؤولة ان تعامل الفنان كفنان وليس كهاوٍ. 

- شكرا سمر، سُعدنا في حديثنا معكِ. 



لمزيد من المعلومات:

* أُخذت الصور بواسطة رشا موسى وبشرى فراج

هناك 3 تعليقات:

  1. جميل جدا بشرى فعلا كانت أسئلة شيقة وأجوبة رائعة ، الفن شيء جميل وموهوبوه قليلون ، وكما قالت الفنانة سمر الجنون ليس بالمظهر الخارجي بل هو جوهري يظهر من خلال اللوحات .. وما أجمل ان تكون اللوحات جنونية ,, رائع جدا

    ردحذف
  2. رائعة بشرى .. كان حديث جميل وشيق جداً ...

    ردحذف
  3. شكرا لكما عزيزتاي .. ولا تنسيا الجوهر ألا وهو الرائعة سمر :)

    ردحذف