Main topics

مارس 17، 2012

العلائية للمكفوفين: تحارب العتمة بنور البصيرة!



"إن العمى ليس بشيء وإن الصمم ليس بشيء، فكلنا في حقيقة الأمر عمي وصم عن الجلائل الخالدة في هذا الكون"، صاحبة هذه الكلمات العظيمة 'هيلين كيلير' (1968-1980)، وهي فتاة أمريكية فقدت عدد من حواسها الأساسية كالسمع والبصر، وعلى الرغم من ذلك استطاعت التفوق والنبوغ في مجتمعها، فأتمت تعليمها وتعلمت أكثر من لغة، لتكون بوصلة ترشد كل شخص وضعته الحياة أمام "رحلة جبلية صعبة"، مؤكدة بما حققته أن الطريق إلى النجاح سرعان ما تتزين بالورود أمام كل شخص يسلكها حاملًا في جعبته قوتً من العزيمة والإصرار تكفيه على طول هذه الرحلة.


مصباح حجازي، مديرمدرسة العلائية للمكفوفين/ إكرام أبوعيشة
الأستاذ صبحي الدجاني كان واحدًا ممن استرشدوا بشخصية كيلير، فأسس المدرسة العلائية للمكفوفين في بيت لحم عام 1938م، لتكون أول وأقدم مؤسسة إنسانية اجتماعية في الوطن العربي تقدم خدمات أكاديمية وتأهيلية وإيوائية للمكفوفين، كما يقول مصباح حجازي، مدير المدرسة العلائية.


بدايات مُشرفة
يقول حجازي: "المدرسة العلائية منذ تأسيسها على يد الدجاني بدأت بتوفير المناهج الأكاديمية المختلفة لجميع طلابها مطبوعة بطريقة بريل من خلال مطابع خاصة بها، وكذلك وزعت القرآن الكريم والأطالس الجغرافية والقواميس لكل من يحتاجها من المكفوفين في سائر أنحاء الوطن العربي"، وأضاف: "لقد كانت بداية الدجاني في المدرسة العلائية مشرفة جدًا؛ فكان هناك العديد من النشاطات التي تقوم بها المدرسة بإشرافه، مثل إصدار جريدة العهد المطبوعة بالأحرف العادية وبطريقة بريل، فكان المبصر والكفيف يستطيعان قرائتها". 


تخرج على يد العلائية حتى اللحظة عدد لا بأس به من الطلاب، ومنهم من يحمل شهادة البكالوريوس، وكذلك الماجستير، وقسم منهم يعمل حاليًا في المدرسة التي نشأ وتربى بها، مثل الأستاذ خليل رابعة، نائب مدير مدرسة العلائية، ويعتبر رابعة أنه كان يبحث عن نفسه قبل إنتمائه للمدرسة العلائية، لكنه وبمجرد إنتمائه لهذه المدرسة أحس وكأن هناك يد تنتشله من الضياع وتضعه على طريق النجاح، كما يقول رابعة ويضيف: "بدأت دراستي الابتدائية في مدرسة العلائية كوني أعاني من فقد البصر بشكل كامل، ثم بعد ذلك انتقلت إلى جامعة 'بيرزيت'، وتخرجت منها عام 1980م، وأنا أحمل شهادة في التربية الابتدائية". 

غرفة الحرف اليدوية في مدرسة العلائية للمكفوفين/ إكرام أبوعيشة
هناك بذور تزرع في تربة العلائية الخصبة لتنمو وتكون يومًا سندًا يحمي الوطن، فالطالب يحيى أبو حلوان، واحد من طلاب الصف التاسع في المدرسة العلائية، ويتقن أبو حلوان العزف على البيانو والغناء وتأليف الشعر بالرغم من أنه يعاني من فقدان كامل للإبصار، ويطمح لدراسة الشريعة الإسلامية في واحدة من جامعات الوطن عندما يتخرج من المرحلة الثانوية، يقول يحيى:"لقد قدمت لي المدرسة العلائية الكثير من الخدمات الأكاديمية وغيرها كتعليمي بعض الحرف اليدوية والفنون وكذلك توفير السكن الداخلي، وحبتني بكثير من الرعاية والاهتمام، لذلك أعتبرهذه المدرسة كأمي، التي رعتني منذ صغري، لذا علي أن أبرها عندما أكبر، كما ويجب أن أٌقدم شيءً لوطني لأنه احتضنني واحتضن هذه المدرسة".

ستحتفل مدرسة العلائية، بعد أيام، بميلادها الرابع والسبعين، وخلال مسيرتها الطويلة  من العطاء، واجهت المدرسة مجموعة من التحديات والصعوبات تمثلت أبرزها في إرتفاع تكاليف الطباعة على طريقة بريل مما كان يشكل حاجزًا أمام مواصلة المدرسة طريقها في توفير بيئة سليمة لتعليم المكفوفين، كما يقول حجازي، مؤكدًا على أن هذه الصعوبات تجاوزتها المدرسة بالتعاون مع مؤسسات السلطة ومؤسسات المجتمع المدني في فلسطين وخارجها، وكذلك بالتعاون مع أهل الخير من أبناء الوطن، وهذا ما جعل مدرسة العلائية للمكفوفين تستمر وبتميز في عطائها لأبنائها الطلاب الذين يعاني بعضهم من ضعف جزئي في الإبصار، والبعض الآخر يفقد بصره بشكل كامل.

رسالة العلائية
خلال عمر طويل من العطاء تبلورت لدى مدرسة العلائية رسالة مفادها أن الطفل الكفيف حال أقرانه من الأطفال العاديين من حقه أن يكون له مستقبل واعد، وهذا لا يكون إلا بحصول الكفيف على شهادة أو حرفة تكفل له حياة كريمة فيما بعد، بهذه الكلمات عبر حجازي عن رسالة مدرسة العلائية، وتابع: "أعتقد أننا خلال الأربع وسبعون سنة الماضية حققنا الهدف المرجو من رسالتنا، وهذا يظهر جليًا من خلال أبنائنا اللذين تخرجوا من المدرسة وعادوا الآن ليعملوا بها كمعلمين، بعد تخرجهم من الجامعات الفلسطينية وحصولهم على شهادات البكالوريوس والماجستير".

واحد وثلاثون طفلًا يتربون الآن في أكناف المدرسة العلائية للمكفوفين، مثابرتهم وإصرارهم توحي لهم على الدوام أنهم سيصيرون يومًا ما يريدون، ليقدموا لوطن لا يبصروه بعيونهم، لكنهم وبلا شك يرون هذا الوطن وهو يقبع في سويداء قلوبهم، ويحملون على كاهلهم الصغير همه وألمه، وهو يعاني تحت وطأة الاحتلال، فيحسبون أيام العمر منتظرين تلك اللحظة التي سيصبحون فيها شبانًا قادرين على رد الجميل لأرض ما توانت يومًا عن العطاء لأبنائها.

هناك تعليقان (2):

  1. الى الامام يا مدرسة العلائيه ..
    جد أول مره بسمع فيها ... رائع التقرير رااائع

    ردحذف
  2. تسلمي وعد بس بالفعل المدرسة أكثر من رائعة

    ردحذف