Main topics

يونيو 23، 2012

خبر غير عاجل ...الرجاء عدم النشر

أطفال قرية راس كركر/ شبكة أجيال الإذاعية

يستحضرني اليوم حادث جبع ودهس العبيدية ومادة مقدمة في التلفزيون!
حادث جبع لن أقول لكم عنه شيئا، ودهس العبيدية هو لطفل في الخامسة عشرة من عمره خلال توجهه إلى مدرسته صباحاً صدمته شاحنة وقسمته إلى قسمين، لكم أن تتخيلوا المشهد في رؤوسكم، لكن أيضا يمكنكم رؤية صورة ..بل صورتين! صورة للقسم العلوي من جسده وصورة للقسم الثاني! صوَّرها أحدهم بـ "رواق وفضاوة بال" ثم قام بنشرها عبر موقع فيسبوك.
أما مادة مقدمة في التلفزيون، فهي أول مادة درستها في تخصص التلفزيون وفيها كلّفتني الأستاذة بالعمل على عرض أمام طلبة الشعبة عن أخلاقيات الصحافة في تغطية الحروب، ملخّص العرض أن الأخلاقيات يصنعها الصحفي بنفسه وتشكِّلها الظروف والمناسبات.

لازلت لا أفهم ما الرائع والجميل أو المثير والسبق في تصوير المصابين أو الموتى أو الأشلاء ..خاصة الأطفال!!!
وكيف يسمح لأنفسهم صحفيون أو وكالات ووسائل إعلام بنشر هذه الصور؟

الثلاجة التي توفي داخلها الأطفال/ شبكة أجيال الإذاعية
أبناء العمومة الثلاثة (محمد، عمر ومهند) الذين قضوا اختناقاً في ثلاجة مهملة بقرية راس كركر قرب رام الله، فاجعة جديدة تمثِّلُ لرسوب كثيرين في امتحان أخلاقيات الصحافة.
إن صورهم مبتسمين التي جُمعت على ملصق ينعاهم، فيها ما يكفي من الألم وتعطي ما يكفي من العظة للأهالي لمراقبة أطفالهم، فلماذا قام "صحفيون" بتقريب عدساتهم بوقاحة وتصوير الأطفال ملفوفين بالأكفان، وجوههم زرقاء، وتنحشر في أنوفهم قطع قطن؟
في حين جال آخرون مع صديق للأطفال بكاميرتهم وأظهروه في أكثر من لقطة بجانب ثلاجة موتهم يقول: "هون كانوا يلعبوا ..بقوا مشلحين ..فقدوهم العصر بعديها ماتوا"، ثم جرّوه إلى الشارع ..وخلال مرور الإسعاف التي تحمل أصدقاءه أخذ يقول "هيهم فيه ..هيهم! شفتهم" ..
لن أناقش رداءة النص أو سوء استخدام الموسيقى وأشيـــاء كثيرة أخرى، لأن استغلال طفل ليكون بطل تقرير موت أصحابه، أعظم من كل شيء.

عزيزي الصحفي، إن المشاهد ذكي ليفهم أن هذا الطفل رحل، فقط برؤية سريره فارغاً أو حقيبته المدرسية مركونة على الحائط، ليس من الضروري ان يراه جثة زرقاء وعلى جلده آثار نزاع روحه خلال خروجها من جسده، أيضاً سيفهم المشاهد أو القارئ اذا قلت " شاحنة دهست طفلاً" أن الحادث مروّع وليس من الضروري أن يراه أجزاءً ملقاة على الشارع.

أراهن على أن أغلب القارئين لهذه الكلمات الآن يعتقدون أنهم يعرفون ما يكفيهم عن حادث جبع مثلاً وأنهم اكتفوا بما رأوه من صور وفيديو عن الموضوع، والسبب هو الجرعة المفرطة التي تلقوها من الصور المؤلمة والقصص المروعة عن الحادث في حينه، وهذا ما يظلم قصصاً لا تُروى الآن عن أطفال تشوهت أجسادهم أو نفسياتهم من الحادث إضافة إلى آلام عائلاتهم. 

حادث جبع/ شاشة نيوز
تكرار نشر الصور الدموية والمؤلمة تجعل المشاهد يتلقاها باهتمام أقل وانفعال أضعف في المرات التالية، ولو افترضنا أن الهدف من النشر هو صفع المتابعين لينتبهوا أو ليثوروا وينفعلوا، ما الهدف من استفزازهم بصورة طفل متوفى أو قتيل بحادث سير أو جسد شاب سقط من علو؟

برأيي الهدف من نشر صور الشهداء والإصابات بفعل جرائم الاحتلال هو هدف بعيد كليّاً عمّا يسعى اليه هؤلاء المتلصصون حاملو الكاميرات الذين يبحثون عن سبق صحفي ومجد شخصي، يقولون حصري وعاجل وللنشر، ناسين بل مُتناسين اعتبارات كثيرة.
إن المقولة التي مضمونها أن طبيب الأسنان يأخذ لقمة عيشه من أفواه الناس والطبيب من آلام المرضى والصحفي من مصائب الناس، ستظل خاطئةً إلى الأبد، لكن بعض "الصحفيين" و حاملي الكاميرات الذين لديهم حساب على فيسبوك ..يجعلونها صحيحة ويقولون للناس أن الصحافيين أنذال يدوسون كل شيء وأي شيء ..في الطريق إلى الخبر.



هناك 7 تعليقات:

  1. أنا أحيي حاملة هذا القلم الصحفي الصادق.... الصحفي الناجح من يقرأ عقول وآلام المتلقين ويجسدها.... وليس من يستخدمهم مادة إعلامية إعلانية. تحياتي لك

    ردحذف
  2. Such an amazing article, I salute you and wish you all the best.

    ردحذف
  3. بس ســؤال .. انت ِ مع ام ضــد نشر صــور اشلاء اطفــال فلسطين .. ؟؟!!

    ردحذف