Main topics

نوفمبر 24، 2012

"ذكريات حرب" ..لحظات قاتلة أكثر من آلة الحرب الإسرائيلية

كانت تبتسم ووجهها يشرق بسعادة غامرة، وحب، تحتضن صديقاتها، وتمازحهن بالقول "لم أتوقع للحظة أن أراكن من جديد"، عجبت لأمرها، حدثتنا عن أطفالها، كيف كانوا يلعبون زمن الحرب، عما سألوا، لم تتشكل الحرب في وعيهم الطفولي بعد، لذا لم يتفهوا حقيقة ما كان يحدث في غزة !!


تقول "حاولت أن أصنع لهم كل شيء يريدونه، دللتهم كثيراً، صنعت لهم الطعام الذي يرغبون"، تجولت بيننا، تختال بفرحها، وأنا أتساءل بيني وبين نفسي "هل في غزة من لا يشعر بألمنا ؟، لا أصدق".
كتمت العبرات حتى لا أنفجر فيها مذكّرة أنه لا زال لدينا الكثير من الآلام لنتحدث عنها، وأقول لها "تتحدثين وكأن شيئاً لم يكن في قطاع غزة، هل الحرب أولادك فقط؟".
أغمضت عينيها وسقط دمع على الوجنتين مستحياً، ثم إبتسمت وسطرت حكايتها بأحرف مؤلمة، حدثتنا عن ثمانية أيام مضت، تقول "كنت أحسد كل إمرأة تنام إلى جوار زوجها، إن دخل قلبها الخوف نظرت إليه لتطمئن، كنت أرى أوجاع كل النساء اللاتي فقدن أزواجهن والتحقن بقوافل الأرامل، اللائي يخضعن بعد مائة يوم، وربما مائة عام من عمرها، كل يوم بسنة وكل لحظة بعام، ليغدو أمرها وحريتها في يد الكثير من الرجال، كنت ألتف حول كل عمود من أعمدة المنزل، مثل المجانين صرت أبحث عنه في كل مكان، أمسك بهاتفي أطلب رقمه علّني أسمع صوته يقول لي "لازلت على قيد الحياة"، لكنها الإسطوانة اللعينة التي كانت تعترض اللحظة بعبارة جوفاء جافة "لا يمكن الوصول للرقم المطلوب" أو "الهاتف مغلق حالياً .."، تبدأ الوساوس تأكل ما تبقى من خلايا في عقلي، كلما كانت طائرات جيش إسرائيل تقصف هدفاً، كنت أردد أنه حتماً المستهدف، أدركت أني ربما خسرته، قتلتني إسرائيل آالاف المرات، مرت علي ثمانية أيام كأنها ثمانية قرون، فقدت فيها كل شعور بالأمان وكل احساس بالسعادة".

تضيف سيدة الموقف "عندما انبلج الصبح بنوره الذي لم يعد له بريق، هزني هاتفي بين أصابعي المرتجفة لأسمع نغمته التي تدعوني وتقول لي هو الآن على باب المنزل، يريدك أن تفتحي الباب بسرعة، وبالرغم من ذلك أضغط على مفتاح الرد لأسمع همسه ونفسه، تهرول بي أقدامي ناحية الباب من أعلى الطابق الرابع، بسرعة لأراه، وفي رشاقة هادئة حتى لا يعلم أحد بأنه في المنزل، أفتح الباب أنظر إليه ودموعي تجرف معها كل ما كان بي من خوف وقلق، ينتابني ساعتها شعور أني أريد الصراخ في وجهه، أن أقول له "لماذا تضعني في هذا الموقف؟، ثم أصمت، لأن صوتاً في داخلي يقول "لا تصرخي، إبتسمي هو الآن بخير، لا تدري هل سيكون غداً كذلك؟"، كان يذهب مع رجال المقاومة، كان من أولئك الجنود المجهولين بالنسبة لأغلب الناس، لكنها كنت تعلم من هو؟ ومن هم؟.
صمتت لبرهة ثم قالت "في إحدى المرات سمعت صوت أشقاء زوجي يتهامسون على باب منزلي، أصواتهم كانت خافتة، كنت وراء الباب أنتظر أن يشيع أحدهم نبأ إستشهاده، جلست خلف الباب، أبكي بحرقة، كتمت صرختي، حتى لو كانت هواجسي كاذبة، لم ينقذني لحظتها سوى أن والدتهم نادت بلهفة "ماذا دهاكم؟ هل أنتم بخير؟".
"إنفض كل إلى منزله، أما أنا فغرقت بين دموعي، تلك اللحظة كبرت فيها عشرات السنين، بقيت على الأرض لا أستطيع الحراك، عجزت عن كفكفة دموعي، حتى ظهر الصبح من جديد، ركضت أنتظر أن يعود هاتفي إلىّ ليرتجف بين أصابعي المرتجفة، وعيوني تترقب، وعقلي كلما يستسلم لفكرة أنه لن يأتي، أوقظه حتى لا يعود لهذا التفكير مرة أخرى، سئمت، ثمانية أيام بلياليهن، وأنا مصابة بهم كبير، كان كل يوم يكبر معي حتى جاء اليوم التاسع، لم أصدق أنه بجانبي لم يخرج، نجا هذه المرة، أنا الآن أشعر أني أسعد الناس، لكني أحمل هم كل إمرأة عاشت لحظاتي، وتوج الحزن عالمها بعد رحيل شريكها".

* الحلقة الأولى من حكايا الحرب تكتبها الصحافية روان الكتري بعنوان "ذكريات حرب"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق