Main topics

يناير 03، 2010

فاقد الشيء لا يعطيه

طالبات مدرسة حكومية- مولي م.هـ/ فليكر
- مس ليش لابسة سوارة فلسطين؟
- لأني فلسطينية وبحب فلسطين يا مس.
ويسألني طالب آخر :
- انتِ فتح أو حماس؟
- فأجيبه جواباً تقليدياً نموذجياً لا بد منه " لا هاي ولا هاي انا فلسطينية"
فيسألني آخر :
- طب برشلونة أو ريال؟ 

فأضحك بصوتٍ عالٍ، مع انه قد تم تحذيري مسبقاً من الضحك في وجه الطلاب داخل الصف، لذلك احاول منذ أول الدوام أن ارسم تكشيرة على وجهي، وأحدّق في الطلاب بعيون حاسمة وشديدة، أحاول أن أغير ملامحي، لأن ملامحنا غالباً ما تفضحنا. وهذا كله لئلا يحبوني كثيرا ومن الحب ما قتل !! 

أجتهد كل مرة أدخل فيها الى غرفة الصف أن أزيل صورة تلك الطفلة المشاكسة التي كنتها، لأني لا أحبذ هذا النوع من الطلاب كـ "معلّمة". لكنني أرى نفسي في عيون الكثيرين الذين يبطنون سعادةً داخلية اذا ما قالت لهم المعلمة انها مريضة وصوتها مبحوح وأن يراعوها لأنها غير قادرة على الكلام بصوتٍ مرتفع، فينتهزونها فرصةً للثرثرة والمشاغبة. 
لا زالت صورتي تطاردني ولا زلت كلما فتحتُ دفترَ العلامات وبدأتُ بالتصليح أًذهل وأضحك لأني أحملُ هذا الكنزَ الذي طالما رأيتهُ في كوابيسي دوماً. لا زلت غير قادرة على ان أصدّق اني اصبحت أكتبُ بنفسي أسئلة امتحانات نصف السنة المرعبة -بإسمها بحد ذاته- وأني أجلسُ في غرفةٍ مرتبة وأنيقة اسمها "غرفة المعلمات" وكنت قد تخيلتها منذ زمن "غرفة الملكات او الأميرات القادمات من كوكب العلم" وكنتُ أطير فرحاً وفخراً اذا اوصتني معلمة ان احضر لها غرضاً من ذاك المكان. 

الآن افهم بعد ان تحتل صورة هذه الصغيرة المقعد الأول في قلبي كيف يفكّرُ هؤلاء الأطفال، لكم أفرح في سرّي حين يفاجئني أحدهم ويتمرّد عليّ، فتراني أقول له: "رح أخدك عالمديرة لو عجّبت كمان مرة" فيردّ ويديه على خصره "خديني..." !! او حينما أخبرهم عن طالب افتراضي بقي يُعذب المعلمات حتى تم فصله لمدة ثلاث ايام وذلك لأردعهم من استمرار المشاغبة، فيقول أحدهم "نيالو" فأجنُ أنا وفي الوقت نفسه أتمنى لو أضحك. 
قالوا لي "اياكِ ان تكوني مصلحة اجتماعية، أنتِ معلمة مادة واذا تابعتي قصص هؤلاء الأطفال لن تخلصي" وبالرغم من هذا لديَ فضول أن أعرف كل طفلٍ على حِدة. لكن فضولي وصل أوجَه لطفلةٍ في الصف الثاني، تلبس الطاقية دوماً لو ان الطقس ليس باردا، هادئة جدا وحتى أثناء الفرصة لا تخرج للعب، تبقى وحيدة. اقتربتُ منها وسألتها " ليش ما بتتطلعي تلعبي مع الاولاد ؟"، قالت: "ما بحب ألعب". لم تشفِ غليلي هذه الاجابة أبدا. 
وفي يومٍ وبعد انتهاء الدوام كنت أنتظر الباص لأغادر، اذ بهذه الفتاة ترتمي أرضاً بدون الطاقية يحيطها الأولاد ساخرينَ منها، وهي تضع كلتا يديها على رأسها لتخفي رأساً دون شعر! تعجبّتُ كثيراً وعلمتُ فيما بعد أن أمها الفاضلة قامت بحلق شعر ابنتها "على الصفر" خوفا من القمل !! أراحت الصغيرة من القمل وأكسبتها هموماً وعقداً ستبقى ترافقها أبداً. ألِهذا الحدّ يصل جهل الآباء؟ كيف يطمحونَ الى صنعِ جيل واعٍ وهو لا يرتكزُ إلا على جهلٍ متأصل. 
هذا ما عرفته وربي أعلم بالكثير الذي لم أعرفه بعد، الذي بـِتُّ متأكدة منه هو أن اطفالنا بحاجة ماسة الى الحب والاهتمام ليكونوا قادرين على الاستيعاب والتركيز، وإنّ لم يجدوا في البيت دفئاً يحويهم وايدي حنونة تربتُ عليهم وتعزز ثقتهم بأنفسهم، سنواجهُ شخصياتٍ هـَشـّة غير قادرة على العطاء في المستقبل، لأن "فاقد الشيء لا يعطيه". 

دور الأستاذ بالمدرسة لا يجب ان يقتصر على التلقين واعطاء المنهج والسلام، بل يجب عليه ملاحظة تصرفات الطلاب، ومراعاة نفسياتهم. بتُ أدرك أني كمعلمة – حتى لو كنتُ بديلة ومؤقتة جدا – مسؤولة عن هؤلاء الأطفال، واستطيع أن اؤثر بهم ايجاباً حتى لو بفترة بسيطة، ولم أقنع بنظرية ان اتمادى بكوني قاسية وحاسمة، فالأولاد بحاجة الى التعزيز والكلمة الرقيقة، لأن تأثيرها على سلوكهم واستجابتهم – بعد تجربة- أقوى من التكشيرة والصراخ.


لمزيد من المراجع :
 *وزارة التربية والتعليم العالي - فلسطين 
* الصورة أخذت بواسطة MollyMH من موقع فلكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق