Main topics

ديسمبر 20، 2011

صناعة من عبق التاريخ

قطع الصابون النابلسي وقدر رتبت بالشكل الظاهر بالصورة/ نائل بويطل
يعود الناظر إلى قطعة الصابونة النابلسية المصنعة بأيدٍ فلسطينية، بمخيلته إلى عبق التاريخ، وأصالة التراث، حيث تعد صناعة الصابون في مدينة نابلس من أقدم الحرف التراثية، والتي يعرف بها أهل المدينة. وكما يمر استخراج زيت الزيتون، وهو أحد المكونات الأساسية لصناعة الصابون، بمراحل مختلفة فإن الصابون النابلسي كذلك يمر بعدة خطوات ليصبح بالشكل الذي نراه عليه. ويمكن تصنيع الصابون النابلسية في البيت من خلال إحضار مقاديرمعينة من زيت الزيتون، والماء والصودا الكاوية، وطبخها بعد وضع الصودا أولا ومن ثم الماء على نار معتدلة في إناء حديدي أو نحاسي مع تجنب استخدام أواني الألمنيوم، ويجب الاستمرار في التحريك بواسطة مغرفة خشبية كبيرة لمدة 45 دقيقة تقريبا حسب الكمية وحتى تظهر مادة رغوية على سطح المزيج، بعد ذلك يوضع السائل الناتج في مساحة مغلقة وتترك لمدة أربع ساعات تقريبا حسب الكمية لتبرد، ثم نبدأ في تقطيعها، لينتج لدينا قطع على شكل مكعبات.


لمحة تاريخية
الوعاء الحجري الذي يطبخ فيه الصابون النابلسي/ نائل بويطل
يقف أحمد الفاخوري، مراقب العمال في صبانة الشكعة، بجانب الوعاء الحجري الذي يطبخ فيه الصابون ويعود بنا سنين إلى الوراء مستذكرا الأيام التي كان يحظى بها الصابون النابلسي بازدهار كبير، يقول الفاخوري: "كان عدد الصبّانات الموجودة في نابلس 36 صبانة لم يتبق منها سوى اثنتين تعملان الآن للمحافظة على حرفة صناعة الصابون؛ لأنها حرفة الأجداد ولا يمكن لنا أن نتخلى عنها، وهناك أسباب كثيرة وراء تقلص عدد الصبانات في المدينة، وكان أحدها هدم قوات الاحتلال الإسرائيلي لثلاث صبانات عام 2002 خلال عملية (السور الواقي)".  
 و يرجع بعض المؤرخين تاريخ صناعة الصابون في نابلس إلى أكثر من ألف عام، بناءً على كثير من الكتابات التي دوّنها الرحّالة والمؤرخون القدماء ومنهم "المقدسي" الذي عاش في القرن العاشر الميلادي، وأول وصف لصناعة الصابون جاء على لسان شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري الدمشقي، وقال: "الصابون يُصنع في مدينة نابلس ويُحمل إلى سائر البلاد".
ويعتقد أن هذه الصناعة انتقلت على أيدي الصليبيين إلى أوروبا وخاصة فرنسا فتأسست مصانع الصابون من زيت الزيتون في مرسيليا وكانت هذه المصانع تحضّر الصابون بطريقة مشابهة لطريقة تحضير الصابون النابلسي، وانتشرت هذه الصناعة في انجلترا في القرن الرابع عشر، و بلغ عدد مصانع الصابون في نابلس في أواخر القرن التاسع عشر حوالي 30 مصنعا.

جدوى اقتصادية

أحد العمال في الصبانة يفرد سائل الصابون النابلسي بعد طهيه
تصوير نائل بويطل
شهدت صناعة الصابون تدهوراً كبيراً من ناحية اقتصادية فلم تعد كما كانت في بداية القرن التاسع عشر كما يرى الفاخوري، ويضيف: "إن التكلفة الإنتاجية للمنتج مرتفعة بالمقارنة بالأرباح؛ لأن إنتاج سبعة أطنان من الصابون يحتاج إلى 65 ألف شيكل، والأرباح تكون أقل بعد بيع البضاعة، بالمقارنة بالتكلفة وجهد العمال والمصاريف الأخرى؛ فلا يوجد إقبال من الناس على الصابون النابلسي، ويعود السبب في ذلك إلى تغير عادات المستهلك وتوجهه نحو البضائع المستوردة".
وبالرغم من الجدوى الاقتصادية الضعيفة لهذا المنتج حاليا، إلا أن صناعة الصابون النابلسي ما زالت مستمرة في خطوة من أهالي مدينة نابلس للحفاظ على حرفتهم التراثية، وفي ظل نقص الإحصائيات الدقيقة حول الكميات المنتجة من الصابون النابلسي في الوقت الحاضر، ولكنّ سجلات الغرفة التجارية تشير إلى أن الصابون النابلسي يحتل مكان الصدارة في صادرات نابلس إلى الخارج.
تقول لميس الطحان، 29 عاما، من نابلس،: "الصابون النابلسي يحمل في رائحته خبرة الأجداد؛ فهو مصنوع من مواد طبيعية، ليس لها أعراض جانبية على البشرة والشعر، وهذا يدل على نجاحه وجودته؛ لذلك أشجع الجميع على استخدامه ليس فقط من أجل فوائده، وأيضا من أجل دعم الاقتصاد الوطني".

مكونات طبيعية
أحد العمال يلف مكعبات الصابون النابلسي لتباع في السوق
/نائل بويطل
وتؤكد أخصائية الأعشاب، الدكتورة هناء الخليلي، على أن الصابون النابلسي يختلف عن باقي الصابون؛ لأنها تحتوي على زيت الزيتون الطبيعي، بينما الصابون العادي يتكون من مواد كيميائية تؤثر على البشرة،  فالكيماويات بشكل عام عادةً ما يكون لها آثار جانبية. 
وتضيف الخليلي: "يستخدم زيت الزيتون كعلاج للعديد من الأمراض خاصة  تقصف الشعر، واشتهر الصابون النابلسي في العديد من الدول العربية  للفائدة التي تتحقق من استخدامه، كما أنه لا يوجد له آثار جانبية على عكس الصابون العادي".
وبذلك يعلل إبراهيم السركجي،56 عاما، من نابلس، استخدامه للصابون النابلسي لاحتوائه على زيت الزيتون المذكور فائدته في القرآن الكريم، ولأنه لا يحتوي على مواد كيميائية مثل المنتجات الأخرى".
 وتؤكد ماجدة أبو حطب، 23 عاما، من نابلس، أنها قد استخدمت جميع منتجات الصابون المعطر، ولكنها عادت في النهاية "لاستخدام الصابون النابلسي؛ لأنها وجدت أنه الأفضل"، وتوضح قائلة: "كان هناك مشكلة في الحجم فأنا أفضل أن يكون حجم قطعة الصابون أصغر، خاصة فيما يتعلق بغسيل البشرة يوميا وإذا تم تحسين شكلها ستعود كمنافس لبقية أنواع الصابون في السوق".

ربما تتعدد الآراء حول أيهما أفضل الصابون النابلسي أم المنتجات الحديثة الأخرى، ولكن ما لا يختلف عليه اثنان هو أن الصابون النابلسي سيبقى من الصناعات الفريدة التي عُرفت بها فلسطين بشكل عام وتميزت بها مدينة نابلس بشكل خاص وكان لها دور كبير في إنعاش اقتصاد المنطقة،  ففي السابق كانت مدينة نابلس تصدّر منتجاتها من الصابون إلى الدول العربية مثل دول الخليج ولبنان وغيرها، أما الآن فقد تغير الحال بسبب تغير عادات المواطن في الاستهلاك، وتوجهه إلى شراء المنتجات المستوردة ظنا منه أنها الأفضل، بالإضافة إلى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى إلى طمس كل ما له علاقة بالتراث الفلسطيني لتمحو هوية شعب أصرت على البقاء.

 
أُخذت الصور بواسطة نائل بويطل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق