Main topics

أبريل 23، 2013

«حماس» تمنع ماراثون غزة وتسن قانون الفصل في المدارس

تكتظ باحة المدرسة بأطفال وفتيان وصبايا في عمر الزهور. يلعبون معاً ويضحكون ويأكلون ويتهامسون ويعلقون على هذا وذاك، يبدون كأسرة واحدة كبيرة. مظهرهم وملابسهم وحتى طريقة كلامهم وتعاملهم مع بعضهم بعضاً تظهر بوضوح أنهم لا يتلقون تعليماً وتربية مختلفين.

لا أحد يستطيع التمييز بين المسلم والمسيحي ولا بين السافرة ومن تضع حجاباً.

لكنهم اليوم يستشعرون الخطر الداهم ويرفضونه، فهم سيظلون أسرى قرار قد يُفرض على مدرستهم وغيرها من المدارس الخاصة في غزة. قانون تأنيث التعليم أو بالأحرى منع الاختلاط بعد سن التاسعة. «هناك مشاكل كثيرة في التعليم، لم تستوقفهم إلا هذه»، تقول فرح (15 سنة) معلقة على قانون التعليم رقم 1 لعام 2013 الذي أصدرته الحكومة التي تقودها حركة «حماس» في قطاع غزة مطلع الشهر الجاري.

وترفض فرح التي تدرس منذ صغرها في «مدرسة العائلة المقدسة»، الفصل بينها وبين زملائها كما ينص عليه القانون.

ويقول زميلها فراس (15 سنة) الذي وقف على مقربة منها: «نحن هنا لنتعلم وليس لأمر آخر، إذا كانوا يعتقدون أن هناك خطأ ما فليخبروننا».

ويواصل فراس وفرح طريقهما إلى منزليهما القريبين من المدرسة مشياً على الأقدام وهما يخشيان من أنه قد لا يكون بمقدورهما الذهاب معاً إلى المدرسة والعودة منها.

وكانت كتلة «حماس» البرلمانية التي تسيطر على غالبية مقاعد المجلس التشريعي بعد فوزها في انتخابات عام 2006، أصدرت قانوناً جديداً للتعليم على رغم انتهاء ولاية البرلمان، واعتقال عدد كبير من أعضائها في الضفة الغربية.

وتنص المادة 46 من قانون التعليم الجديد على أنه «يحظر اختلاط الطلاب من الجنسين في المؤسسات التعليمية بعد سن التاسعة».

ويذهب القانون إلى أبعد من ذلك فينص في مادته التالية رقم 47 على أن «تعمل الوزارة (التعليم) على تأنيث مدارس البنات».

وفي وقت تلتزم فيه المدارس التابعة للحكومة أو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» التي ينتسب إليها معظم طلاب القطاع بعدم الاختلاط بين الذكور والإناث من طلابها بعد سن التاسعة منذ أعوام، فإن مؤسسات حقوقية ونشطاء مجتمعيين يرون أن القانون الجديد يستهدف المدارس الخاصة التي لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، ويعود معظمها لمؤسسات مسيحية.

ورفضت إدارات المدارس الخاصة، ومن بينها المسيحية، التعليق على القانون أو الحديث في شأن خطواتها اللاحقة مع وسائل الإعلام حتى الآن، فيما تقول معلومات إن بعضها يدرس احتمال إغلاق بابه أمام الطلاب العام المقبل، بينما تفيد معلومات أخرى أنها تدرس كيفية توزيع الطلاب بينها لتطبيق قرار الفصل.

حنين الجلدة (13 سنة) التي تدرس في الصف السابع في مدرسة العائلة المقدسة تستهجن القانون الجديد، وتقول: «منذ كنت في الروضة وأنا مع أولاد صفي ولا فرق بيننا». وتعتقد حنين أن الطلاب جميعهم لن يقبلوا فصلهم عن بعضهم بعضاً وسيناضلون كي يبقوا معاً.

والدها الياس الجلدة (47 سنة) يقول إن حنين وشقيقيها ناجي ونادر تربوا منذ الصغر على قيم احترام الآخر بغض النظر عن الجنس، لافتاً إلى انزعاج أولاده مما تضمنه القانون من فصل بينهم وبين زملائهم، ولا يفهمون دواعيه.

ويشير الجلدة إلى أن معظم الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة هم أبناء عائلات من الطبقة الوسطى، معظمهم من المسيحيين، الذين اختاروا إرسال أبنائهم وبناتهم إلى مدارس مختلطة. ويلفت الوالد إلى خشية الأولياء من تعرض بناتهم لمضايقات الأساتذة في المدارس العامة ومحاولاتهم فرض الحجاب عليهن.

وتتخوف تيارات واسعة في الشارع الغزي من تبعات القانون الذي يأتي مع إجراءات أخرى تمارسها الحكومة التي تقودها حركة «حماس» منذ سيطرتها على القطاع في 14 حزيران (يونيو) 2007، ويعتقد أنها تهدف لفرض «حمسنة» المجتمع كما تقول هذه التيارات.

وكانت وزارات حكومية أطلقت حملات لنشر «الفضيلة» و«أخلاقي سر نجاحي» بالتعاون مع الكتلة الطالبية الإسلامية التابعة لحركة «حماس»، فيما أصدرت جامعة الأقصى قراراً بفرض الزي الشرعي على طالباتها. (راجع الإطار)

ومنعت حكومة «حماس» الشهر الماضي وكالة أونروا من تنظيم الماراثون الدولي السنوي الثالث في القطاع في العاشر من الشهر الجاري، بسبب رفض الحكومة مشاركة نساء فيه بحجة أن مشاركتهن «تتناقض وعادات الشعب الفلسطيني وتقاليده».

وتعتبر الإعلامية وسام ياسين (37 سنة)، وهي أم لولدين يدرسان في مدرسة راهبات الوردية الخاصة، القانون الجديد «معاكساً للتطور والحضارة»، لافتة على أنه «كان الأجدى بواضعيه أن يشرعوا الاختلاط في المدارس للحد من ظواهر التحرش والجريمة».

وتستذكر ياسين التي تعلمت في بيئة تعليمية تفصل بين الصبيان والبنات كحال معظم جيلها، كيف كانت إدارة الجامعة تفتح خراطيم المياه على الطلاب الذين كانوا ينتظرون الطالبات على بابها لطردهم.

وترد ابنتها نوار (10 سنوات) بتلقائية على فصل زملائها عنها: «أحسن! الأولاد مشاغبون كتير، بشوفهم بالفرصة (الاستراحة)».

وبعد أن تفهمها أمها أن الفصل سيشمل المدرسة وكل مرافقها، تتساءل ببراءة: «يعني سأذهب من دون أنس الذي يرافقني في الحافلة؟ وكيف سننظف الساحة وحدنا نحن البنات؟».

ويقول يحيى عودة (44 سنة) والد مهند وريما، أنه أبلغ إدارة مدرسة العائلة المقدسة أنه سيسحب أولاده منها في حال استجابت للقرار.

ويضيف: «سأحول أولادي إلى مدرسة تابعة لـ «أونروا» إذا ما تحولت المدرسة الخاصة إلى نظام الفصل بين الجنسين، لأنها لن تختلف حينها عنها، خصوصاً أنني أدفع مبالغ مالية كبيرة لتعليم أولادي في مدرسة خاصة».

وفي حين توافق ريما (10 سنوات) والدها في حنقه من القرار، يبدو مهند (11 سنة) غير مكترث بما يمكن أن يحدث. وتقول: «لي أصدقاء في الفصل، أولاد وبنات، ندرس معاً، ونلعب معاً، ونتشارك الأعياد فلماذا يفصلوننا؟».

ويعتبر ناصر شبات (41 سنة) ما يحدث محاولة لـ «أخونة المجتمع وليس أسلمته لأن مجتمعنا مسلم بعمومه».

ويقول إنه بدأ يتلمس الفرق في تعليم أطفاله بين المدرسة الخاصة والمدارس العامة بعدما نقل، قبل نحو شهرين، ولديه أحمد ويوسف من مدرسة راهبات الوردية إلى أخرى تابعة لـ «أونروا» في بلدته بيت حانون شمال القطاع.

ويتخوف شبات على طفليه من العنف المتصاعد في المدارس الحكومية علاوة على «ثقافة العيب والحرام المفرطتان».

من جانبه، يؤكد مدير وحدة الرصد والتوثيق في مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت أن أي قانون يجري إعداده يجب أن يكون منسجماً مع نص وروح القانون الأساس (الدستور الفلسطيني الموقت).

ويرى زقوت أن قانون التعليم الجديد «لا ينسجم مع الدستور من نواح عدة، منها تعارضه مع بنود تنص على المساواة والحريات العامة للمواطنين، إضافة إلى مخالفته آلية التشريع وفق النظام الأساس للمجلس التشريعي نفسه الذي ينص على ضرورة مشاركة قطاعات واسعة من الشعب في وضع التشريع الجديد، واستشارة ذوي الاختصاص».

ويعترض زقوت على إصدار تشريعات في وجود الانقسام الفلسطيني الداخلي، متسائلاً عن فلسفة الفصل في التعليم والدمج في سوق العمل، ومستبعداً أن يكون في قدرة وزارة التربية والتعليم تأنيث مدارس البنات في القريب العاجل. ويشير إلى أن «القانون على ما يبدو يستهدف المدارس الخاصة في شكل مباشر».

بدوره، يرى الناشط عرفات الحاج (29 سنة) أن الفصل بين الجنسين «ينمي عادات وأفكاراً سلبية لدى الطرفين». ويتساءل: «كيف ستتصرف الفتاة التي لا تتعود على وجود زميلها في المدرسة معه في العمل؟».

ويعتبر سن قانون جديد يمنع الاختلاط بعد سن التاسعة «محاولة لشرعنة الوضع الخاطئ، والحفاظ على ديمومته»، لافتاً إلى أن الأجدى بحكومة حماس كان أن تفكر في العمل على تعزيز الهوية الوطنية والقيم الإيجابية لدى الطلاب».

وتعتبر الحكـومة من جـهتها هذا القانون الأول منذ التسعينات الذي يصاغ بأيد فلسطينية «اسـتطـاعت نقـل التـعليم من الـعرف إلـى الـقانـون».

ويصف مدير العلاقات العامة والدولية في وزارة التربية والتعليم معتصم الميناوي القانون بأنه «ضابط العملية التعليمية». ويعزو دواعي سن القانون إلى «قاعدة قانونية تقول إن العرف والعادة تصبح قانوناً باستمراره، لذا فما دامت هذه عادات شعبنا في الضفة وغزة فانه من الطبيعي أن نصوغ قانون لضبط العملية التعليمية تلتزم به كل المؤسسات التعليمية».

ويقول إن القانون يمنح وزير التربية والتعليم «صلاحية التعاطي بمرونة مع المدارس الخاصة والمسيحية في تنفيذ القانون بسهولة وتدرج»، مصراً على أنهم جميعاً «يندرجون تحت مجتمع كله محافظ وعليهم احترام قوانين الدولة وأعرافها».

ويعترض الميناوي على اعتبار القانون محاولة لـ «حمسنة» المجتمع، ويعتبره «استجابة لإرادة أهالي الطلاب أنفسهم الذين يعانون من تصرفات البعض إزاء الجنس الآخر»، مدللاً على ذلك بأن «الاختلاط مستمر في عدد من الجامعات التي تعود مسؤوليتها إلى وزارته من دون إشكالات تذكر».

* نشر في ملحق شباب الصادر عن صحيفة "الحياة" اللندنية 

هناك تعليق واحد: