Main topics

يونيو 11، 2010

فيلم نقطة تحول – خلف الشمس: فيلم فلسطيني من الألف الى الياء

مشهد من فيلم نقطة تحول / رفعت عادي
 برغم بعض الانتقادات التي وجهت لِفيلم مشروع نقطة تحول الأول "خلف الشمس" للمخرج رفعت عادي بعد عرض الفيلم مباشرةً في مسرح وسينماتك القصبة برام الله الا ان هذا لم يلغِ الانسجام الواضح والشديد لجمهور المسرح الذي عجَّ تماما بالمشاهدين.
تدور أحداث الفيلم في إحدى القرى الفلسطينية أثناء حقبة السبعينات والثمانينات، ونلاحظ أن المخرج قد راعى تفاصيل هذه الحقبة، فنرى ملابس أهل القرية، وطريقة عيشهم، والصور التي تتعلق على الحائط مثل صورة جمال عبد الناصر. وقد أعادتنا احداث الفيلم وشخصياتهِ ومعاناتهم الى ذاك العصر الجميل، والذي كان به الفلسطينيون يداً واحدة، يجتمعون على حب الوطن، حبهم لأخوتهم وأصدقاءهم وجيرانهم، وكرههم الوحيد الواضح والذي لا يزول للاحتلال البغيض.
يحكي الفيلم قصة حياة شاب فلسطيني، لا نجد في حياته شيئا مميزا جدا نظرا لحياة الكثيرين من الشباب الفلسطينيين الذين عانوا مرارة الاحتلال من فقدهم لأعز الناس على قلوبهم، وضياع أحلامهم، وتخطيطهم لمستقبلهم، وذاقوا التعذيب المقيت في السجون الاسرائيلية للإدلاء باعترافاتهم. وانما كان لا بدَ من تجسيد هذه الشخصية التي تقترب من الاعتياد، لأن كل من يشاهدها اليوم من شباب فلسطيني، لا شك سيرى نفسه او أبوه أو صديقه...الخ، ويعيد الى الذاكرة اسلوب النضال الذي نكاد نفقده في أيامنا هذه. "أسامة" والذي أدى دور مرحلة طفولته الطفل الفنان مجد دبّور، والممثل الفلسطيني سامي متواسي حينَ صارَ شاباً، شاب نما الحقدَ في قلبه مذ كان صغيرا، حينَ رفع علم فلسطين بالقرب من مدرسته، ورأى أحداق الجنود الفاشيين تشتعل غضباً متمثلا بإبراحه وزملاءه ضربا.
 ترعرعت كراهية الاحتلال معه حيثُ ترعرع، كبرَ أسامة وهو يرى الصهاينة يتلذذون بتعذيب شعبه، وتحطيم آمالهم ويمارسون كل أساليب القمع اللانسانية. ومن الواضح والطبيعي ان أسامة صار ثائرا، فمن يرى الكلاب تجتثُ دماءَ أهله لا بدَ يصير ثائرا يناضل لأجل بلده، هذا إذا كان يمتلك مبدأً وضميراً حياً. وعلى اثر نشاطه السياسي اعتقلَ من بيته، وذاق مرارة عذاب الاحتلال في السجون الاسرائيلية، وحين لم ينجح المحقق داني -والذي قام بدوره الفنان فراس نور- في كل محاولاته لجأ للوسيلة التي كانت واردة ومستخدمة جدا آنذاك وهي العصافير.

يدخل اسامة الى السجن بعد حبسه في زنزانة انفرادية، يبدأ العصافير في التحقيق معه، فيلجأ لخدعهم بأنه صدقهم، ويكتب لهم "تقريرا مفصلا" عن نشاطاته السياسية ويضعها في "كبسولة". تصل الورقة الى المحقق داني فيستدعيه، ويا لَصدمة المحقق وخيبةِ أمله حينَ يقرأ الورقة، ليجد شعارات وعبارات ثورية تؤكد على حرية الأسرى واستعادة الأرض وعلى حقوقنا التي سننتزعها بكفاحنا المستمر "وأعرف خدعكم ايها المحقق داني". يضج المسرح بالضحك اطمئناناً في هذا المشهد، فنحن لم نكن متأكدين من قوة إدارك البطل بعد.

يتحرر اسامة ويخرج ليتابع دراسته وينجح بتفوق لينضم الى الجامعة، مع حبيبة طفولته كرمل – قامت بدورها الطفلة رهف القواسمي والفنانة الشابة أميرة مرزوقة-. بعد التخرج يود أسامة أن يحقق حلم العمر ويتزوج بكرمل اليتيمة فيأخذها عمها للسكن معه في نابلس. يمضي أسامة سنتين في تكوين نفسه الى ان يوفر ثمن "غرفة" للزواج. وفي يوم عرسه، وبعد ان يكون قد جهز نفسه ورأته امه – الفنانة نادية كنعان- في البدلة، يصاب بعيار ناري ولا نعرف اذا ما كان أسامة قد استشهد ام أنه جرح وتعافى فيما بعد، والأرجح انهُ عاش، فالأحداث من بدايتها حتى النهاية يرافقها صوت أسامة -الراوي-.

طاقم الفيلم اثناء المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد العرض / بشرى فراج
 من الشخصيات الجذّابة جدا في الفيلم، والتي تسترعي الانتباه لِما يحيطها من غموض متعمد هي شخصية المجنون او " المسطول" على حد تعبير أسامة، وهو صديقه الذي يكبره بأعوامٍ كثيرة. صابر والذي قام بدوره الفنان الرائع حسين نخلة يقترب لأن يكون حكيما فيلسوفا في بعض الأحيان، يقضي حياته في العيش وحيدا في سيارة مهترئة، ونعلمُ فيما بعد أنه حصل على معدل "95" في التوجيهي وكان استاذا فذا يخافه الجميع، فما الذي جعله مجنونا انطوائياً يفقد معنى حياته شيئا فشيئا؟ وتأتي الحقيقة في الجزء الأخير من الفيلم حين يجلس صابر وينظر الى قلادة في صدره تحمل صورة طفل وامرأة يبللها بدموعه، ويأخذنا الى وقائع أخرى، حيثُ يجلس في الريف الجميل هو وزوجته وابنه ويغيب ليحضرَ شيئا، فيعود ليجد ابنه وزوجته صريعين أرضاً، وقد أصابهم عيارا ناريا من أحد المستوطنين الحاقدين، فتصيبه صدمة الفقد، ويجن إثرَ الحادثة.  

 السياق الدرامي للفيلم الذي يمتدُ الى ساعة ونصف يأخذ منحى أساسي يتمحور في الفرق ما بين طبيعة الشخصيات، اسلوب حياتهم وتكافلهم مع بعضهم البعض ونضالهم ضد الإحتلال في الحقبة الماضية وبين أيامنا هذه، التي انغمسنا فيها بالتفاصيل الصغيرة التافهة ونسينا الجوهر الأساسي الا وهو حقيقة وجود المحتل على أرضنا. نرى في الفيلم جمال أداء الفنانين الفلسطينيين، وبراعتهم في تجسيد الشخصيات. تسارع الأحداث بالاضافة الى الأداء المقنع للفنانين استحوذَ على انتباه المشاهدين بالكامل، فكانوا يتأثرون لكل حدث، حتى ان البعض الكثير أخذوا في البكاء أحيانا، وبالضحك في أحيانٍ أخر، لأن الفيلم يلامس ما في دواخلهم، ويذكرهم بما عانوا ولا زالوا.

من بعض الانتقادات اللاذعة التي وجهت الى الفيلم بعد العرض مباشرةً كانت بخصوص اللهجة المستخدمة، والتي كانت لهجة مدنية، رغم ان احداث القصة تدور في القرية، لكن كاتب السيناريو سليم دبور فسّر ذلك بأن اللهجة يجب ان تكون قريبة من الإخوان العرب ومفهومة وهي "اللهجة البيضا". أضيفُ الى ذلك بأن اللهجة كانت على الأقل موحدة، فكل العائلة تتكلم بنفس اللهجة، علماً بأنه في المسلسلات الأردنية على سبيل المثال نجد أن العائلة الواحدة تتحدث بأكثر من لهجتين دون مراعاة أن افراد العائلة يتحدثون غالبا بلهجة واحدة. كما نوهت إحدى المنتجين المنفذين والتي شاركت في فيلم "شباك العنكبوت للمخرج رفعت عادي" منال كيلانة، بأنها شخصيا من قرية ولكنها تتحدث بلهجة مدنية تختلف عن لهجة عائلتها، وهذا بالطبع وارد. أما بخصوص اسم الفيلم والذي التقطها البعض حجةً وأخذ يرددها كعيب وحيد بالفيلم سعداء بما يعتبرونه "غلطة" لم ينتبه لها المخرج او كاتب السيناريو، فهي اسم الفيلم "نقطة تحول".

أخذ صحفي من راديو مونتيكارلو يصر على ان الفيلم لا يوجد به أي نقطة تحول، لكن المنتج انس ابو سعدة وهو الممول الوحيد للفيلم عزّى ذلك الى أن اسم المشروع هو نقطة تحول، والفيلم الذي يعد الأول في المشروع يحمل اسم "خلف الشمس" ويشكّل بداية نقطة التحول التي ستكتمل فيما بعد في الأفلام القادمة. وتضيف مواطنة من الجمهور والتي غضبت للانتقادات غير المبررة والمقنعة بأن نقطة التحول تحدث عند الجمهور بعد مشاهدة الفيلم، وصرّحت ان هذا الفيلم سيشكل فعلا نقطة تحول في حياتها.

على الفلسطينيين أن يشجعوا الفن الفلسطيني، خاصة اذا ما كان فلسطينيا 100% وينتقدوه لأجل النقد البناء الذي يحسّن الأداء لا الهجوم غير المبرر الذي يكون فقط لغرض الهجوم. فبالفن نرتقي، ونُري حقيقة الاحتلال وهمجيته للعالم أجمع.

لمزيد من المعلومات:

الصورة الأولى: مشهد من الفيلم/ أُخذت بإذن من المخرج رفعت عادي
الصورة الثانية: المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد الفيلم في سينماتك القصبة اول امس برام الله/ أخذت بواسطة بشرى فراج

هناك تعليقان (2):

  1. اتفق تماما مع الكاتب سليم دبور كاتب قصة وسيناريو وحوار الفليلم بأن تكون اللهجة مدنية وذلك لإيصال رسالة الفيلم لأكبر عدد ممكن من الأشقاء العرب، فلو كانت مثلا الأفلام المصرية باللهجة الصعيدية لما استطعنا فهم افلامهم.

    الفيلم مميز ورائع جدا، امتاز بقوة قصته وقوة السيناريو والإخراج مع التحفظ على بعض الأخطاء الإخراجية البسيطة، وأعتقد وبقوة أن هذا قد نجح نجاحا قويا، فإذا كنا نحن الفلسطينيون ونحن من عشنا أحداث قصة الفيلم قد تأثرنا بما جاء فيه وبكينا، فكيف ستكون ردة فعل من هم بعيدون عن وجعنا الفلسطيني؟!

    واخير أوجه التحية الكبيرة للكاتب والأديب الرائع سليم دبور، والمخرج رفعت عادي والمنتج أنس أبو سعده على هذا الفيلم الرائع، وأبارك لهم النجاح الكبير

    ردحذف
  2. كنت احدى المشاهدات لفيلم (خلف الشمس ) الذي عرض في مسرح وسينماتك القصبة يوم الاربعاء 9\6\2010 .. وافرحني كثيرا ان القاعة غصت بالمشاهدين حتى ان الكثيرين اضطروا لمشاهدة الفيلم على مدار ساعة ونصف وقوفا ..تجربة جديدة ومتطورة كان هذا الفيلم الذي شد الجمهور الذي تماهى مع احداث الفيلم لدرجة كبيره جدا .. فكرة القصة للمنتج انس ابو سعده الذي خاض تجربة الانتاج وكان موفقا في ذلك وصاغ هذه الفكرة سليم دبور الذي له تجارب جيدة في اعمال سابقة . واخرجه المخرج الشاب رفعت عادي والذي له ايضا تجارب ناجحة في مجال الدراما التلفزيونية والسينمائية .. جاء اداء الممثلين جيدا مع اختلاف في درجة الحرفية بينهم .. ويشهد للفنان الفلسطيني حسين نخله بأدائه المتميز في أدائه لشخصية (صابر ) هذه الشخصية المركبة التي ابكتنا واضحكتنا في نفس الوقت .. علما بأنه من الممثلين المحترفين على مستوى الدراما الفلسطينية ..واتوافق مع الاخت كاتبة المقال في انه كان من اهم الشخصيات الجذابه في الفيلم ان لم يكن اهمها .. وكذلك الفنان سامي متواسي الذي قام بدور (اسامه) في مرحلة شبابه .. حيث ادى دوره بشكل متميز.. وكذلك الطفل مجد دبور الذي لعب شخصية اسامه في صغره ..وغسان مسلسع بدور الاب وناديه كنعان بدور الام .. وغيرهم من الفناني الذين شاركوا في هذا العمل والذين غابت عني اسماؤهم .. تحية لكل من عمل في هذا الفيلم امام الكاميرا وخلف الكاميرا .. الى الامام ونشد على اياديكم .........

    ردحذف