Main topics

يونيو 19، 2012

طفل بالإسكندرية يفترش الشارع مهداً له



الطفل إسلام يفترش الأرض وينام عليها / تصوير اسلام أبو السعيد
نراهم بملابسهم الرثة الممزقة، فلا تحميهم من برد ولا حر وتكاد لا تستر أجسادهم النحيلة التي يأكلها الجوع وتفترسها الأوساخ. يقتحم عيونهم البؤس، يسيرون هنا وهناك بحثاً عن أمان مفقود أو فتات طعام في صناديق القمامة. تقشعر أبداننا عند رؤية مناظرهم شفقة عليهم، ثم نمضي ونعود إلي منازلنا نـأكل ونشرب ونمرح مع أطفالنا، ونتابع المؤتمرات التي تقام لحماية أطفال الشوارع والمؤسسات والجمعيات التي تدافع عن الأمومة والطفولة، ولا ننسى شعارات " لا للعنف ضد الأطفال " وغيرها، ثم ننام في دفء وأمان لنرى نفس المشاهد في اليوم التالي .

 فقر أرهق براءته
هنا على هامش الطريق يقبع جسدٌ ضئيل لا تغطيه سوى قطع رقيقة مهترئة من القماش البالي، ووجهه يتلون بسواد الأوساخ وعذاب الليالي، تلفح وجهه البريء الشمس الحارقة، أضناه التعب والجوع فهو لا يهتم  بزحمة السيارات ولم تيقظه الأصوات المزعجة. سرعان ما التقطت له صور وهو نائم في أحد شوارع المنشية في الإسكندرية ، وبسرعة البرق أيقظه طفل آخر يبيع الخبز بجانبه ليحذره مني، حاله لا يبعد كثيراً عن حال إسلام محمد أحمد الذي قُطف من عمره ستة عشر عاماً في البؤس، قضى منها اثني عشر عاماً في حضن أمه ورعاية أبيه حتي توفيا. وعندها بدأت معاناته  عندما طرده إخوته الثلاثه من بيت العائلة بحجه أنهم الأحق به لكونهم الأكبر منه سناً، بالرغم من أن إخوته  ميسوري الحال ويعتاشون في دول خارج مصر.

بحسرة تملأ قلبه الصغير، وبدموع تسيل من عينيه، يروي إسلام قصته قائلاً: " بعد وفاة والدّي طردت خارج البيت لطمع وجشع  إخواني فلم أعد اتذكر ملامحهم من شدة قسوتهم علي، يعذبني أكثر أنهم لا يريدون رؤيتي وأنا بتعز عليا نفسي فلم أنس طعم شوربة الخضار التي كانت تحضرها لي أمي أما الآن أشتهي رائحتها، كم أدعو ربي أن يجعلني بجوارها اليوم قبل غد" .
علامات من الحدة غيرت ملامح وجهه البريء عندما طلبت منه التقاط صورة له فرفض، وبعد محايلات عليه وعهود، قبل بشرط أن يغطي وجهه المتسخ، وكنت أثناء سيري التقطت له صورتين وهو نائم فقال " لو أنا ما بتعملش معاكي زي أختي كنت كسرت كاميرتك "
يعود بذاكرته قليلا ويقول : " في أيام الثورة حاولوا صحافيين أمريكان تصويري وأنا نايم بالشارع أنا رفضت وكسرت كاميرتهم وقلت : دول عايزين يدمروا صورة مصر قدام العالم" .

عجباً للفقر أرهق برائته ويأسٌ سيطر على جوانحه وأمية ثقافته، خُلق  معه وطنيةً وحباً لبلده بفطرته، فهو يتابع أخبار الرئاسة وتوالي الحكام على عرش مصر سابقاً. وعندما سألته عن علاقته بمن حوله وهل لديه أصدقاء أجاب " أنا صاحبي ربنا اشكي لمين غيره هو أرحم من إخواني والناس عليا، أنا بتوضأ وبصلي في أي حتة علشان أمي وصتني أكون كويس وما عملش غلط " .

 لم يعرف النوم ليكون هنا إسلام
افترش من الشارع مهداً له، وفوقه السماء الملبدة بالغيوم كحياته المليئة بالهموم، على الرغم من وجود مأوى ليس بمأوى، فيضيف "صحابي بيمشوا جانب بيتي اللي أنا ما ليش نصيب فيه وبيقولولي :" عندك بيت وبتعيش في الشارع " برد عليهم :" أنا لو إلي إخوان زي الناس كان عشت معاهم ومارمونيش بالشارع " .

كلٌ منا لديه فراشه يمارس عليه أبسط حقوقه وأحلامه. ولكن هل يحلم أطفال الشوارع  بنوم عميق،  برأي إسلام " الشارع مش عايز طفل داه عايز واحد قلبه ميت لانو الغلبان بيتآكل حقه"، فسألته هل تمارس حقك بالنوم بالشارع فأجاب " أنا لم أعرف النوم المريح ليكون لدي أحلام" ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق