حسين محمد حسين يضع لمساته على مكتبة النبى دانيال / تصوير وفاء أبو ظريفة |
قبل ٥٦عاماً وفي أحد شوارع المنشية في الإسكندرية أنشأ " حسين محمد حسين " أول وأكبر سوق لبيع الكتب ، أينما اتجهت بنظرك اصطدمت برفوف ركيكة، مكونة من بقايا
الحجارة وفتات قطع من الخشب التي قد تكون زادت عن حاجة مستخدميها، أطلق عليه مكتبة " النبي دانيال" نسبة الى إسم الشارع الذي تأسست به.
حسين صاحب الملامح البسيطة التى لم تهرم بعد، رغم سنه الذي تجاوز الثلاثة وسبعون عاماً حدثنا قائلاً :" أنشأت المكتبة في سن مبكر حيث كان عمري حين ذاك لا يتجاوز الحادية عشرة، ولم أكن أعرف القراءة والكتابة إلا أنني أعشق الكتب وأمتلك طموح يفوق السماء، لذا تجاوزت أميتي في القراءة والكتابة بانضمامي الى صفوف " القسم الليلي" المختص بمحو الأمية، ومن ثم بدأت ببيع الكتب اليونانية والفرنسية والألمانية في شارع النبي دانيال حيث يعتبر مفترق طرق لكل الإسكندرية بالإضافة الى أنه مكتظ بالزوار من كل انحاء العالم، واستمريت الى أن اصبحت قادراً على بيع مختلف أنواع الكتب حتى وقتنا هذا".
لم يكن يكتفي "حسين محمد" من وضع حجر الأساس لمكتبته بل سعى جاهداً لترخيصها من محافظة الإسكندرية لتصبح مؤسسة رسمية ممتدة على طول الشارع لكي يثبت جذورها عبر العصور، متأملاً أن تكون الزاد والزواد لكل من يريد أن يغذي عقله وروحه بالمعرفة .
استطاع "حسين" بمكتبته المتواضعة ذات الجذور المتفرعة أن يؤسس أسرة غنية بالثقافة والعلم تتألف من ٢٦ شخصاً ما بين أبناء وأحفاد جميعهم حرصوا على إكمال تعليمهم الجامعي، والإطلاع الدائم على معظم الكتب الثقافية جنباً الي جنب .
القراءة ثورة لن تنطفئ
تحتوى مكتبة "النبي دانيال" على عدد كبير ومتنوع من الكتب السياسية والإجتماعية والإقتصادية والترفيهية والثقافية والعلمية تطوي بين طياتها أقدم الكتب التاريخية، وأكثرها ندرة، كما تتميز أسعارها بأنها في متناول الجميع .
يتأسف "حسين محمد" على حال المكتبات التى باتت تعاني من عزوف واضح من قبل الشارع المصري مؤكداً أن الثورة المعلوماتية التي ارتبطت بالثورة التكنولوجية هي من أهم الأسباب التى تكمن وراء هذا العزوف، إضافة الى انشغال الناس بهموم الحياة على مدار اليوم مؤكداً أن العلاقة بين القارئ والكتاب أصبحت فاترة .
مكتبة النبي دنيال من أقدم أسواق الكتب بالإسكندرية |
وهذا ما أكده "زكريا بشاي حسن " مراقب تعليمي وأحد رواد المكتبة، قائلاً " مكتبة دانيال من أعرق المكاتب وأهمها في الإسكندرية، تجد بها ضالتك المعرفية القديمة والحديثة، إلا أن الحالة السياسية والإقتصادية التى يعيشها الشعب المصري أثرت على الحالة الثقافية سلباً، مما نتج عنه تدني الثقافة بين صفوف المصريين بشكل عام" .
أما "مروان أحمد حسين" ثلاثة عشر عاماً يكمل مسيرة جده "حسين محمد حسين" حيث أن أنامله الناعمة ترسم كل صباح من الكتب مصفوفة منظمة يعمد فيها على ابراز
عناوينها الجذابة، لإظهارها بأجمل حلتها آملاً بذلك أن يستقطب إليها أكبر عدد
من المارة مستثمراً إجازته المدرسية لتنتقل الرسالة من الجد الى الحفيد مهما اختلفت الظروف السياسية والإقتصادية المحاطه بهم تبقى الحالة الثقافية متواجد في الساحة المصرية ما بين المد والجزر .
رسالة مفعمة بالطموح وجهها "مروان حسين" للجهات المختصة يطالبهم بإنشاء أماكن عامة أكثر راحة وجذباً ورقياً من الشارع لبيع الكتب بأسعار تناسب الجميع باعتبارها قيمة ثقافية يجب عدم التفريط فيها، لكي يتم تعزيز القراءة للجميع وخاصة الأطفال .
رغم
تعدد المعطيات التى تحد من عدد زائري هذه المكتبة العريقة، إلا أنها ما زالت موجودة بقوة
بشوارع الإسكندرية يدافع عنها أصحابها كأنها فلذة أكبادهم مؤكدين أن
الثورة القادمة هي ثورتهم ضد الجهل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق