Main topics

فبراير 11، 2013

بسبب أزمة قطع الكهرباء، محروقون لا يعرفهم أحد في غزة

سعيد عبد الله، يرقد في قسم الحروق بمستشفى الشفاء- سامية الزبيدي
توجّع معظمُ الناسِ في قطاع غزة، وفي بقاعٍ شتى من الأرض، بعد أن تناهى الى مسامعِهم فاجعة حرقِ ستةِ بشرٍ أحياء، بينهم أربعة أطفال، لا يزيدُ عمْرُ أكبرِهم عن سبعةِ أعوام، وأصغرِهم عن العام  والنصف.
وبدأ سكان القطاع المحرومين من حقِّهم بالتمتع بالطاقةِ الكهربائيةِ اللازمةِ لتسييرِ وتسهيلِ حياتِهم، يكيلون الانتقاداتِ للجهاتِ المسؤولةِ عن استمرارِ أزمةِ قطعِ التيارِ الكهربائي منذ سبعِ سنواتٍ على الأقل من دونِ حلولٍ تذكر.

وبقصدٍ أو من دونه، حاولَ البعضُ تحميلَ ربةِ المنزلِ مسؤوليةَ ما حدث من فناءٍ للعائلةِ بأكملِها حيناً، ولشركةِ توزيعِ الكهرباءِ أحياناً أخرى، الى الحد الذي تهجم فيه البعضُ على مقرِّ الشركةِ بشارعِ الثلاثيني بمدينة غزة، وشرعوا في تكسيرِ واجهته، وسيارةٍ من نوعِ جيب تعود لمديرِها العام كانت متوقفةً أمامه.



وعلى الرغمِ من كلِّ ما يمكنُ أن يقالَ عن عدالةِ الشركةِ أو نزاهةِ إجراءاتِها بحقِّ المنتفعين من خدماتِها، إلا أن الثابتَ هو أن الشركة التي يعملُ بها أكثرُ من 1000 موظف، تقعُ مسؤوليتها في توزيعِ ما يصلُها من طاقةٍ كهربائيةٍ على المشتركين، وجبايةِ أثمانِ ما يستهلكونه منها شهرياً.

فيما تتحملُ سلطة الطاقةِ كجهةٍ حكوميةٍ رسمية، مسؤوليةَ توفيرِ الكهرباءِ للشركة، وبالتالي فإنه يقعُ على عاتقِها تطويرُ قطاعِ الطاقةِ بما يتناسبُ طردياً مع زيادةِ الحاجةِ السكانيةِ والعمرانيةِ والصناعيةِ لها، وهو ما لا تقومُ به هذه السلطة لأسبابٍ متعددة، يقفُ على رأسِها الانقسامُ السياسيُّ الداخلي، وسوءُ التخطيط ِ والادارةِ المستمرين لهذا القطاع، وأخيراً وليس آخراً المال.


سعيد عبد الله، فني صيانةٍ في شركةِ الكهرباءِ في قطاع غزة، تعرض للحرقِ جرّاء تماسِّه مع خطِّ كهرباءِ ضغطٍ عال أثناء صيانته، إذ تتعرضُ خطوطُ الكهرباءِ لأعطالٍ كثيرة، نظراً للأحمال الزائدةِ عليها بسبب محدوديةِ كمياتِ الطاقةِ الكهربائيةِ المتوفرةِ في قطاعِ غزة، بالنظرِ الى الحاجةِ الكبيرةِ والمتزايدةِ لسكانِ القطاعِ لها، علاوةً على أعمالِ السرقةِ والتعدي على خطوطِ الكهرباء، ما يسببُ أعطالاً وأخلالاً فنيةً تؤدي الى قتلِ و إصابةِ فنيي الصيانةِ بالشركةِ حرقاً.




وإن كان سعيدُ هو الأخير، فإنه ليس الوحيد، فقبله كانت عنايةُ الله رحيمةً بزميلِه "عمر يوسف" الذي ما زال له في العمر بقيةٌ كي يتعودَ على غيابِ يدِه اليمنى، وخشونةِ وجهِه الأسمر، ووجعِ عينِه اليسرى، وبقعٍ أخرى حُفرت عميقاً في ما تبقى من جسدِه، بعد أن تسللَ له كابلٌ من الكهرباء ليصعقه، ويحرقَ وجهَه وجسدَه، الى الحدِّ الذي تطلبَ بترَ يدِه، وخسارةَ بعضِ نظرِ إحدى عينيه.

عمر يوسف- أب لثمانية أطفال- تصوير سامية الزبيدي

كان "عمر" العائد حديثاً من رحلةِ علاجٍ طويلةٍ في مستشفى المقاصدِ بمدينةِ القدسِ المحتلةِ  بسيطاً، عفوياً وهو يتحدث عمّا ألمّ به من دمارٍ غيّر عالمَه كما معالمَ جسدِه: "كلُّ ما أذكرُه، أننا تلقينا اشارةً بوجودِ كسرٍ في عمودِ الضغطِ العالي شرقَ رفح، فتوجهتُ أنا وزملاءَ لي إلى هناك، فوجدنا النارَ مشتعلةً في الخطِّ بشكلٍ كبير، مكثنا ساعةً ونصف ونحن نعمل هناك، وبينما كنت أحاولُ تثبيتَ المربطِ الأول، صعقتني الكهرباء، ولم أفق إلى نفسي إلا لحظاتٍ بمستشفى الشفاء، ولحظاتٍ أخرى في معبرِ بيت حانون، وبعد ثلاثة ِأيامٍ في مستشفى المقاصدِ بالقدس، حيث نُقلتُ للعلاجِ هناك".



 وعلاوةً على سعيد وعمر، فإن عشراتٍ من موظفي الشركةِ تعرضوا لإصاباتٍ تراوحت بين كسورٍ وحروقٍ نتيجةَ عملِهم في صيانةِ الخطوطِ وإصلاحِ الأعطال، فيما استُشهِد ثمانيةٌ منهم حرقاً وصعقاً بتياراتِ الضغط العالي على أعمدةِ الكهرباء. 


ويَشتكي مرشدُ السلامةِ والوقايةِ بشركةِ الكهرباءِ بمحافظةِ رفح عبد الله النجيلي، مما يلقاه موظفي الشركةِ من قبل المواطنين، من مشاكلَ وضغوطٍ وتعدي يتجاوزُ السبَّ والشتمَ والدعاءَ علينا ليلَ نهار، إلى الحد الذي يتعرض فيه موظفونا للضربِ من بعض المواطنين أثناءَ تأديتِهم لعملِهم. 

ويقول النجيلي: "نحن نوزعُ ما لدينا من كهرباء، لسنا مصدر قطعِ الكهرباء، سيكونُ من صالحِنا أن يكونَ هناك تيارٌ كهربائيٌ مستقرٌ ودائم، لأننا نبذلُ جهداً ووقتاً، ونتعرضُ لمخاطرَ عاليةٍ أثناءَ فصلِ الخطوطِ وإعادتِها، لتوزيعِ التيارِ الكهربائيِ بعدالةٍ بين المواطنين". 

وتتلقى شركةُ توزيعِ الكهرباءِ التي يعملُ بها حوالي ألفَ موظفٍ وموظفة، أكثرَ من ثلاثةِ آلافِ إشارةٍ في الشهر، وهو ما يشكلُ -حسب ما أفاد مسؤولون فيها- عبئاً كبيراً على طواقمِها، الذين يبذلون جهوداً استثنائيةً على مدارِ الساعةِ للاستجابةِ لشكاوى الناسِ وإصلاحِ الأضرارِ التي تلحقُ بالشبكةِ الكهربائيةِ نتيجةَ الأحمالِ الزائدةِ على الخطوط، والعبثِ فيها من قبل المواطنين. 

وتشتكي الشركةُ أيضاً من تعطيلِ الاحتلالِ لدخولِ المعداتِ اللازمةِ لعملِها، ما يؤثرُ على قدرةِ الشركةِ على إجراءِ التطويرِ اللازمِ في شبكاتِها، علاوةً على ما يلحقُ بهذه الشبكاتِ من تدميرٍ في الاعتداءاتِ الاسرائيليةِ المتكررةِ على القطاع. 

ولئن كان المحروقون بنار قطعِ الكهرباءِ كُثرٌ نتيجةَ الحرائقِ التي تندلعُ بسببِ استخدامِ بدائلَ للتيارِ الكهربائي، سواءَ كانت مولداتٍ كهربائيةً أو شموعاً أو غيرِها، والتي أفنت عائلاتٍ بأكملِها، وأصابت آخرين بحروقٍ لا زالوا يعانون من آلامِها وآثارِها، فإن المحروقين بنارِ وصلِها لا يعلمُ عنهم أحد، ولا يبدو أن أحداً يكترثُ لما يحلُّ بهم من آلامِ الفقدِ والتشويهِ والإعاقة. 

وفيما تستمرُ الأزمة، وتحصدُ مزيداً من الأرواح، وتسببُ الكثيرَ من الآلام، يبقى المسؤولون عنها والمتسببون فيها على ترفِ الانتظارِ لانهاءِ الانقسامِ حيناً، وللاستقرار الاقليمي أحياناً أخرى، فيما لا يبذلُ أولو الأمرِ هنا في غزةَ أيُّ محاولاتٍ لحلولٍ بديلةٍ كاستخدامِ الطاقةِ الشمسيةِ مثلاً، أو توفيرِ مولداتٍ كهربائيةٍ كبيرةٍ في كل حيٍ وغيرِها من الأفكار.








هناك 4 تعليقات:

  1. محمد العسلي:
    التقطتِ مشهد الأزمة من زاوية لم يفطن إليها أحد قبلك، وأبرزتِ معاناة ليست غائبة، بل مُغيَّبَة، كل التحية لأولئك الجنود "الأبطال" ومَن يكتب عنهم، ولهم، كعادتكِ سامية.

    ردحذف
  2. بجد تحية لك نظرة اخر لم تكن بالحسبان كثيرا ما نغفل عنا وفقتي في الاختيار وبالكتابة

    ردحذف
  3. فعلا تقرير نوعي و متميز

    ردحذف
  4. كل التقدير والاحترام لك سامية! مشكورة جدا

    ردحذف