Main topics

أبريل 28، 2010

ألوحةٌ فنية أم جدارٌ رماديٌ أصَم؟

حدثتني صديقتي الرسامة عن مقتها الشديد للألوان التي تزيّن الجدار العازل، والذي يطوّق الكثير من المناطق في بيت لحم. قالت وبرغم كونها رسامة تعشقُ الألوان، "لا أرى أي ضرورة لزخرفة الجدار بهذا الشكل".وأنا لجهلي عارضتها ولم اتفق معها لأني كنتُ قد رأيتُ بعد مضي وقتٍ قصير على بناء الجدار رسومات احترافية معبّرة، تقشعر لها الأبدان وتجعلكَ تقفُ باكياً .. لا بل متحديا لقيام الجدار.
 كان من ضمن الرسومات التي رأيتها فتاة فلسطينية صغيرة تقف لتفتش جندي اسرائيلي وقد جرّدته من سلاحه، ورسمة أخرى لحمامة السلام تحمل في فمها غصن زيتون وتضع على جسدها واقٍ من الرصاص بينما نرى على صدرها علامة حمراء تبدو وكأن قناصاً يوشكُ على اغتيالها. وقلتُ لصديقتي بأن هذه الرسومات الرمزية الساخرة كثيرا ما أدت الى استفزاز الصهاينة وجسدت أحلامنا وآمالنا. وفي زيارةٍ لي الى الجدار حديثا انقلبت الفكرة التي تبنيّتها في ما مضى رأسا على عقب. كرهتُ الألوان التي تزيّن الجدار ولم أجد رسمةً تعبّر عن أي شيء، صار السياح القادمون الى البلاد يرسمون ما اتفق، او ما كان يخطر في بالهم آن ذاك، لا بل يصل الحد بالناظر الى بُغض الجدار ان يعتقد أن هذا مجرّد استعراض للألوان والمهارات. وصار الجدار العازل معرض فني لكل من يحاول ان يظهر قدراته الفنية وابداعاته.

 في أثناء الزيارة الأخيرة للجدار القبيح، التقيتُ بعددٍ من الشبان، كانوا يلتقطون صوراً تذكارية بجانب الجدار، وكأنهم في معرض فني فعلا، او كأن الجدار أصبح واحداً من معالم المدينة التي نفخَرُ بجمالها! فسألتُ أحدهم عن الذي يراه في هذه الرسومات العشوائية الملونة، فقال بعد ارتباكِ مَن لم يخطر على باله السؤال من قبل " لا شيء! بل ان معظمها لا معنى لها".  وقال آخر " لو أن الرسومات ارتبطت بأحداثٍ تحدثُ يوميا في واقع أرضنا المحتلة لكان ذلكَ أجدى". أما البرتغالي الذي قابلناه في مكانٍ آخر يلتقطُ هو الآخر صورا لزخرفة الجدار، فقال " امضيتُ وقتا لا بأس به أحاول أن أتتبع دلالة الرسومات والحروف إلّا أني لم أجد لها علاقة مباشرة بوضع الجدار، بل ويمكن أن يُرسم أي منها على أي مكان آخر بالعالم". وأضاف "لو انها رسمت باللون الأسود او الرمادي لكان ذلك أكثر ملائمةً وتعبيرا".

يبدو أن هدف هذه الألوان قد ابتعدَ عن المضمون الرئيسي ألا وهو بشاعة الجدار، وبشاعة هدفه وبشاعة من بناه. وأخذَ شيئا فشيئا يلهي الناظرين عن انحطاط هدفِه ووضاعته. ناهيكَ عن ان المناطق التي تجاور الجدار صارت اماكن سياحية! وأخذَ البعض يفتح محلات تجارية بجانبه - لعلمهم ان السياح الوافدون الى المدينة لا بد سيأتوا لإلقاء نظرة على الجدار العملاق، فانتهزوا الفرصة ليعرضوا اثواباً وحقائباً مطرزة بألوان العلم الفلسطيني وخشب الزيتون وما الى ذلك من اشياء تعبّر عن التراث الفلسطيني- كمصدرٍ للرزق.

قد يقول البعض معترضاً أن هذه الرسومات على الجدار هي شكل  من أشكال المقاومة التي تعبّر عن رفض الشعب للاحتلال ووصف لمعاناة الشعب الفلسطيني، نعم اتفق اذا ما كانت الرسومات فعلا تعبّر عن المأساة، لا الملهاة والألوان التي تنبض بالحياة، على جدارِ أصم قام على ركاد أحلامنا وبيوتنا. إنها ثقافة غربية لا بدَ لنا أن نرفضها لأن لا فائدة تذكر من تلوين وتزيين الجدار الرمادي البشع سوى ترويض للفلسطينيين على التعايش معه وتقبّله، فيتحول الجدار الأسود بكئابته الى مزار سياحي أو معرض فني ينبضُ روعةً وجمالاً.

لقراءة المزيد:
بيت لحم وخطة العزل العنصرية - البند السادس

الصور تصف بعض الرسومات الموجودة على جدار العزل العنصري في مدينة بيت لحم / أُخذت بواسطة بشرى فراج بتاريخ 21-4-2010

هناك تعليقان (2):

  1. فعلا هذا ما يحدث على هذه الارض المحتلة الجيش يصادر دون توقف والشعب يرسم، ويظن ان الرسم سينهي بشاعة الجدار .
    كيف والجدار ما زال قائما كم هو لم تؤثر به الرسومات بل زادته جمالا حتى ظن الناس انه بناء تاريخي شيد من اجل الابداع واظهار المواهب لدى الناس كان المواهب لم تكن موجودة قبل بناء هذا الوحش
    اظن ان الشعب بات نائما في سبات عميق، ويحتاج لشي اضخم من هذا الجدار عله يشعر بمت يحدث حوله.

    ردحذف
  2. يبدوان لا شيء سيزحزح هذا السبات العميق!!

    ردحذف