Main topics

يوليو 06، 2010

يوم عاد .. ياسر عرفات


انا اموت، انفاسي تتقطع، شيء ما يجذبني نحو الاعلى تارة، وتارة نحو الاسفل، ما الذي يجري؟ احاول ان اتبين حقيقة المشهد ولكن كنت اشبه بغريق بين امواج بحر متلاطمة.
قفزت فكرة الموت الى رأسي، هل يعقل ان يكون يوم عودة الرئيس أبو عمار هو يوم موتي؟ ما بال قصة الموت معنا نحن الفلسطينيين ؟!

حاولت ان اتبين المشهد وما الذي يجري، كتل بشرية هائلة تجلس فوق انفاسي، قامات واجساد ضخمة تحيط بي من كل الجوانب. ثوانٍ معدودات باتت تفصلني عن الحياة، وفجأة، شئ ما يرفعني، ويضعني على "المنصة "، منصة الاحتفال.

هذا ما جرى معي يوم قدوم الرئيس ياسر عرفات، في الثاني من تموز/ يوليو عام 1994 الى مدينة اريحا. هذا اليوم الذي كان عرسا فلسطينيا، حضره ما يزيد عن الخمسة الآف شخص، فأبو عمار يعود، الى ارض فلسطين بعد 27 عاما من الغياب في المنافي وعلى جبهات القتال، وبعد معركة شرسة من التفاوض مع الاسرائيليين، التي اسفرت عن توقيع اتفاقات اوسلو عام 1993.

يقول لي احد المشاركين في مراسم الاحتفال، بكل حماسة وانفعال " آن لهذا الفارس، لهذا الرجل، بعد ما يقرب من ستين عاما من النضال، ان يرتاح، ان يمتع عينيه برؤية فلسطين، ولكن يجب عليه ان لا يتنازل " .

 الرئيس يحتض احدى الامهات الفلسطينيات / موقع فليكر
وتعبر احدى النساء عن مشاعرها وهي ترقص طربا، و تصيح بصوت عالٍ " احنا كلنا فداك يا ابو عمار".

هكاذا كان ينظر الشعب الفلسطينيي للرئيس ابوعمار، رمزا وطنيا واسطورة لا يمكن ان تتكرر على مدى التاريخ الفلسطيني .

بالذاكرة اعود قليلا الى الوراء، واستعيد الصورة التي كانت عليها مدينة أريحا، التي باتت تعرف بحضارة العشرة الاف عام وتقع بالقرب من الحدود الاردنية: الشوارع نظيفة، تعليق صور ضخمه للرئيس ابو عمار، ورفعت الاعلام الفلسطينية بكل الاحجام . كما فاضت مدينة اريحا بزوارها القادمين من كل القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية بالبائعين المتجولين وبالصغار والكبار وبالنساء اللواتي اخذن يعقدن حلقات الدبكة، ويغنين الميجنا الفلسطينية فرحا بعودة الرئيس ابو عمار. هو الذي عاش اصعب محطات النضال الفلسطيني، سواء في الاردن عام 1970 او محطة الخروج الاصعب من بيروت عام 1982 الى تونس، ومن تونس الى فلسطين. وفي كل هذه المحطات حافظ على قول عبارته المشهورة " يرونها بعيدة واراها قريبة، سيرفع شبل من اشبال فلسطين او زهرة من زهراتها علم فلسطين على مآذن القدس وكنائسها" .

كنت انا من النساء الاعلاميات الفلسطينيات المحظوظات، اللواتي اشتركنَ بتغطية اول حدث اعلامي اذاعي عبر صوت فلسطين ،الذي انطلق ولاول مرة بعد هجرة لعقود، في اليوم الثاني من عودة الرئيس عرفات. ولعل اهم لحظة في هذه المراسم عندما حلق ابو عمار بطائرة عسكرية واصبح في سماء المدينة، ما دفع بأحد الحضور للتلويح بيده والقول بصوت مرتفع " ابو عمار يخترق الاجواء الفلسطينية، ويحلق فوق المسجد الاقصى وحتى فوق الكنيست الاسرائيلي، انه يخترق الامن الاسرائيلي ".

و حقيقة لم يكن العمل في ذلك اليوم سهلا على الاطلاق، باختصار، حرقتنا اشعة الشمس، ساعات طويلة من الانتظار، تعب، ارهاق، العرق يتصبب، ومع ذلك، لم يتسرب الملل الى نفوسنا ، وكان للحدث والعمل جاذبيته وسحره ومتعته. فأنا لاول مرة احمل فيه الميكرفون، واتحدث فيه مع جمهور كبير من الناس واستمع الى وجهات نظر متعددة من رجال سياسة ودين واكاديميين ومواطنين. ومن هذه الاراء التي ما زلت اذكرها عندما قال احد السياسيين " اخاف من قيام الاسرائيليين بعمل مصيدة للرئيس ياسر عرفات وان يتم اليوم اغتياله "، مؤكدا ان هذه الخطوة خطوة تاريخية هامة تجتمع فيها ولاول مرة القيادة والشعب معا على الارض، وان هذه العودة لا بد من ان تعيد ترتيب الاوراق وتوحيد الصفوف لمواصلة المعركة ضد الاحتلال الاسرائيلي، وان مرحلة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية قد بدأت .

ابو عمار..حرص على ان يظهر امام جماهير غزة وأريحا، ببدلته العسكرية وكوفيته الفلسطينية، التي ارتداها، في اول مؤتمر سياسي حضره في احدى الدول الاشتراكية عام 56 كما حرص على ان يظهر وهو حامل مسدسه، الامر الذي جعل كل وسائل الاعلام الاجنبية والاسرائيلية خاصة تعلق على هذا الظهور "ان ابا عمار يرسل رسالة حرب وانه لا ينشد السلام والامن لشعبه".

على أية حال كان السؤال المطروح بين المشاركين في الاحتفال: هل عودة الرئيس ابو عمار يمكن ان تغير معادلة الصراع؟ وأن تحقق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين؟

الصورة الاولى: يوم عودة الرئيس ابو عمار الى غزة عام 1994

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق