إضاءة خافتة تخرج من المسرح، ظلال وشموع،
شخوص تقف وظهورها للجمهور، تنتظر أن يسود الهدوء في المكان، ويجلجل صوت رجل
المسرح، فتنسحب الأجسام المضيئة، ويبدأ العرض .
مسرحية " انسوا هيروسترات" للكاتب
الروسي غوريغوري غورين، وترجمة توفيق المؤذن، تم عرضها على خشبة مسرح القصبة، وقام
بإخراجها الأستاذ عيد عزيز لطلاب اكاديمية الدراما، كمشروع نهاية السنة الدراسية
لطلبة السنة الأولى في الأكاديمية .
في مدينة أيفيس الإغريقية، في القرن الرابع قبل
الميلاد، تاجر يدعى "هيروسترات"، يقوم بإحراق معبد ارتميدا الذي يعتبر رمزاً من
رموز المدينة، فيقرر قضاة المدينة بالقاء
القبض عليه ومحاكمته، ومن ثم الحكم علية بالإعدام .
ولكن الفساد لا يسمح للعدل بأن يأخذ مجراه، فالقوة
والمال تصبح تحت تصرف هذا التاجر، ومن داخل السجن يرمى الطعم ليلتقته الفاسدون
سياسياً واقتصادياً، ظناً منهم أنهم امتلكوا القوة والسيطرة على الأمور .
في البداية يظن المشاهد أن هدف هيروسترات من
حرق المعبد كان حبه في البقاء، وحفر اسمه في التاريخ، حتى لو كان الثمن حياته، لكن مع الاسترسال في أحداث المسرحية، تجد أن قوى الشر مع الذكاء اجتمعت في هذا التاجر
لتتوج أفكاره ورغبته ليس في الخلود بعد الموت فقط بل بالبقاء وامتلاك السلطة
والحكم معاً .
ورغبة المرأة"كليمنتينا" في أن
تكون هي الأجمل دائماً، والتي يسعى الرجال لقتل أنفسهم و إحراق المدن والمعابد من
أجل حب هذه المرأة، فتتحاول مساعد هذا التاجر في الحصول على مبتغاه مع قليل من
الرفاهية العبثية .
لا يمكن أن نشاهد هذه المسرحية دون ربطها مع
واقعنا الحالي، حيث الفساد في الحكم والسلطة والإقتصاد، والرشوة، والمحسوبية،
والواسطة، كل هذه الأمور تدور في رأس المشاهد، فتضحكه أحياناً، وشر البلية ما يضحك،
فأن عقل المشاهد يسرح ويرى ما بعد هذا الكلام الذي قيل على خشبة المسرح، فتنزلق
دمعة ساخنة من ناظريه، ويستفيق من سباته، يتوقف عن الضحك، فيصمت المكان .
في مسرحية حارق المعبد"هيروسترات"
كان هناك القاضي العادل، الذي سعى وبكل قواه أن يطبق حكم القضاء، لكن كل قوى الشر
تحالفت ضده، فيتحول القاضي إلى حارس لحارق المعبد، حتى ينفذ بيديه حكم الاعدام
مرغماً، ويحمي شعبه من الشر القادم، وبهذا يموت حارق المعبد، ولكن الشر لا يموت،
فالحكم ما زال فاسد، والتجار مازالوا طماعين قابلين للإنحراف من أجل المال .
ها نحن نحكي عن هذه المسرحية وكأننا ننقل
واقعنا، ونرسمه على الطريقة الإغريقية، مع قليل من التشوهات العبثية .
لكن هناك في مدينة ايفيس كان يوجد قاضي عادل،
فهل هناك عندنا قاضي عادل قادر على مراقبة الحكم، وحماية شعبه ؟! .
تم اختيار هذه المسرحية لما فيها من مساحات
واسعة لتطوير أدواتهم ومهارتهم كطلاب تمثيل. ولما فيها من مقاربة لما يجري في هذا
العالم الذي نعيش فيه .
وقد شارك في المسرحية كل من "اوس
الزبيدي، غنطوس غنطوس، اميرة حبش، حمدي الكوني، رزق
الخطيب، صهيب ابو غربية، مسعد ابراهيم، منذر بنورة" ولم تتجاوز مدتها 75
دقيقة .
هذه المسرحية مش سهلة ابداً لكن مع ذلك كان عرض الشباب جميل .
ردحذفوالاجمل من ذلك كلامك يا ميس وطريقة صياغته .. وعم بتابعك لاني بعرف ان قلمك مع الوقت راح يتحول لمسرح .
يعطيكم الف عافية .